قضايا وآراء

جيش الاحتلال وهزيمة إعلامه أمام المستوطنين

| تحسين الحلبي

ما تزال القيادة العسكرية لقوات الاحتلال وكذلك القيادة السياسية، تواجه معضلة لم تستطع حلها منذ وجود الكيان الإسرائيلي، وخلال كل مراحل الحروب وأشكال العدوان العسكري التي قامت بها في المنطقة، وهذه المعضلة تتعلق بـ«تعريف مفهوم الانتصار»، وما تزال دوامة التعريف دونما حل، والسبب الأساسي في واقع الأمر يعود إلى أن كل الحروب لم تؤد بعد شنها أو بعد مرور سنوات على نتائجها العسكرية، إلى تسليم الطرف المستهدف منها بعدم استمراره في المقاومة والصراع وإعداد القدرات المتوافرة لديه وزيادتها للمبادأة بشن الهجوم وليس بتعزيز الدفاع فقط، فالعامل الذي يقلق قادة جيش الاحتلال هو عدم استسلام الطرف المستهدف للشروط التي يحاول الكيان الإسرائيلي فرضها، وهو أهم عنصر في تعريف «الانتصار» بمفهوم، فهو يجد دائماً أن ما يزيد تعقيد هذه المعضلة بل الفشل والإحباط لعدم تطابق مفهومه لما يريد تسميته «انتصاراً» مع نتائج عدوانه وحروبه أن كل طرف استهدفه بعدوانه بحرب شاملة أو محدودة جابهه أثناء الحرب وبعدها واستمر بهذا الدور ولم يسلم بانتهاء الصراع أو الحرب ضده.

في أعقاب معركة «سيف القدس» في أيار الماضي، عاد جيش الاحتلال ليواجه هذه المعضلة، فأعد مركز أبحاث الأمن القومي، الإسرائيلي، ورشات عمل مكثفة في نهاية عام 2021 جمع فيها أهم قادة الجيش ورجال الأبحاث المتخصصين بالإعلام والحرب النفسية لإيجاد «مقاربة» تحل هذه المعضلة في زمن ثورة الاتصالات والانتشار الواسع لوسائلها الاجتماعية والإعلامية تحت عنوان «الدور المهم في توعية الإسرائيليين»، وهذا ما يدل على النتائج السلبية التي تولدها حروبه على وعي ورؤية جمهوره الاستيطاني.
ونشر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في مجلته الإلكترونية تحت عنوان «من المنتصر؟ حرب التأثير على إسرائيل»، رأى فيه أن «كل طرف من الأطراف التي تشتبك معها إسرائيل يحدد لنفسه عناصر الانتصار وبغض النظر وبعيداً عن حساب المعركة على الأرض وهذا ما يولد «فجوة» في مفهوم الحرب و«صلتها بمعركة خطاب التوعية» بين إسرائيل والأطراف الأخرى، ويستنتج المركز أن «إسرائيل توظف إجراءاتها العسكرية لخطاب التوعية بينما تركز الفصائل الفلسطينية على توظيف خطاب التوعية لأبعاد عسكرية وأن الجيش الإسرائيلي لا يهتم بالمقابل إلا بقيمة الضربات العسكرية»، ويضيف المركز بأن «قوى المقاومة تتفوق على قيمة هذه الضربات حين تجمع كل وسائل خطاب التوعية وتطرحها بشكل مكثف أثناء وبعد المعركة فتظهر للجمهور في الخارج بمظهر المنتصر في حين أنها تكون قد دفعت ثمناً على الأرض».
ويرى المركز أن جمهور المقاومة يردد كله بموجب ما تعلنه أنها هي المنتصرة في حين أن إسرائيل يوجد لديها قادة وناطق عسكري يقدمون خطابهم الذي لا يظهر لوحده في ساحتها بل تظهر معه آراء ومواقف غير مطابقة تماماً تحمل بدورها تأثيراً سلبياً على الجمهور الإسرائيلي، وتبرر عناصر الخطاب الإعلامي عند الطرف الآخر وهذا ما يجعل تأثير ما تعلنه المقاومة فاعلاً أكثر وبمصداقية أكبر.
في واقع الأمر، لم تستطع حروب إسرائيل كسر إرادة المقاومة والمقاومين، بل إن طبيعة الوضع الإسرائيلي في هذا الموضوع تجعل مركز الأبحاث يتجنب أيضاً الاعتراف بأن كل الجمهور العربي والإسلامي، لم يسلم حتى الآن بالشروط التي يريد جيش الاحتلال فرضها عليهم لكي يتحقق مفهومه من «الانتصار» فالكل يرى أن التسويات التي فرضت لم تكن إلا بين حكومات مع إسرائيل، بينما كل شعوب هذه الحكومات ما تزال تنكسر إرادتها ورفضها للتطبيع بل هي ما تزال في وسائل تواصلها الاجتماعي وسردياتها بين بعضها بعضاً، وفي ثقافتها اليومية تتمسك بنفس «خطاب التوعية» الذي تعبر عنه المقاومة، وهذا ما يزيد ليس من قلق قادة الجيش والحكومة في إسرائيل بل من شعورهم بالإحباط واستحالة تطبيق مفهومهم لما يسمى «الانتصار» حتى بعد 73 عاماً، بل إنهم يواجهون أشكالاً من رفض التطبيع والمقاومة داخل ساحات استيطانهم في الأراضي المحتلة عام 1948 وكذلك في أراضي الضفة الغربية ولذلك يجدون أنفسهم محاصرين بالرفض من الخارج ومن الداخل وتضيق عليهم الخيارات إلى حد يدفع نسبة لا بأس منهم إلى خيار العودة إلى أوطانهم التي حملهم الاستعمار البريطاني منها إلى فلسطين في بداية القرن الماضي، فإسرائيل في النهاية ستظل مجرد مشروع وليست وطناً لهم أو دولة طبيعية حتى بعد مرور 73 عاماً على زرعها في قلب هذه الأمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن