وصفة الحياة!
عصام داري :
من لا يبحث عن الفرح ويصنعه بنفسه، فسيعيش طول العمر في زواريب الحزن والقلق والكآبة.
ومن لا يفتح نوافذه لأشعة الشمس وضوء النهار ونسيمات الفجر العليلة، فسيمضي حياته في سراديب الظلام والعتمة ومستنقعات الهموم.
لا أطالب بإلقاء أحزاننا في سلة مهملات الحياة، فالحزن جزء من حياتنا، وله مغزاه وحكمته، بل ربما حلاوته مهما كان مؤلماً وموجعاً، وقد كتب نزار قباني يقول:
إني أحبك عندما تبكينا وأحب وجهك غائماً وحزينا
الحزن يصهرنا معاً ويذيبنا من حيث لا أدري ولا تدرينا
لا أطالب بإلغاء وإنهاء أحزاننا، لكنني أطالب بأن نرتقي ونتسامى فوق أحزاننا ونستخلص منها العبرة ومن ثم نتابع المشوار بثقة أكبر وإرادة أشد وتصميم لا يلين، فالتوقف عند حدث حزين، سيوقف عجلة حياتنا الطبيعية، ويربك مسيرتنا في الأرض ويحد من طموحاتنا، مادام سيأخذ وقتاً طويلاً أو قصيراً من رصيدنا في الحياة ويجيرها للحزن، وللحزن فقط.
لنعش لحظات الفرح، وإن عزّت، علينا اختراع فرح من رحم الحزن والمعاناة والألم، ولنعترف أن الفرح لا يدوم، والحزن لا يدوم أيضاً، وأن عمر الفرح أقصر. في لحظات الفرح العابرة أضع في حسباني أن هذه اللحظات قد لا تعود، بل حكماً هي لن تعود، فلماذا أستغلها حتى الثمالة؟.
أعرف أيضاً الحياة مجموعة ثوان ودقائق وأيام، وهي قليلة مهما طالت، فلماذا لا نعيش هذه الحياة بحب وأمل وتفاؤل..وفرح؟.
وأعود للفرح، الذي أتمنى أن يكون مهنتي، على عكس شاعرنا الراحل محمد الماغوط الذي نشر ديواناً يحمل عنوان «الفرح ليس مهنتي»، وأعود إلى التفاؤل الذي يجب ألا يفارقنا مهما اسودت الدنيا، وضاقت طاقات الفرج في وجوهنا، ولا ننسى الأمل الذي أعده الترجمة الحرفية لكلمة الحياة، وقد قرأت مرة في كتاب حكمة رائعة تقول: الأمل كنز ثمين يصرفه الله لعباده المحبوبين من خزانته الإلهية.
كتبت منذ أيام خاطرة أرى أن أسجلها هنا وأنا أتحدث عن الفرح والأمل والتفاؤل، فقد قلت إن كل أحزان الدنيا غير قادرة على منعي من استقبال لحظة فرح بمهرجان احتفالي يليق بالملوك، أما حين يحل الحزن ضيفاً على حياتي فإنني أقنع نفسي بأن الفرح آت غداً أو بعد غد، فأتقبل حزني بتسليم ورضا، وأترقب ما ستحمله الأيام.
لنصنع لحظة فرح قبل أن يباغتنا الزمن ويكتشف أننا أضعنا أعمارنا في زواريب ضيقة وأزقة معتمة، ولنعزف على وتر التفاؤل والأمل، والغد الواعد المشرق، وهذا كله جميل ورائع، لكن الإنسان يمر بحالات كآبة شديدة، وتضربه موجات حزن عاتية، ويغرق في لجة اليأس أحياناً لكن ذلك يجب ألا يكون نهاية الدرب، بل بداية جديدة لدرب طويل عنوانه الفرح، وتفرعاته الأمل والتفاؤل.
لكن الأهم في كل هذه الوصفة هو الحب الذي يتوج العلاقات الإنسانية ويؤسس للحياة المثالية الرائعة التي هي أقرب للخيال من الحقيقة.