بعد انتهاء جولة الحوار الرابعة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية التي جرت في واشنطن في الـ22 من تموز 2021، التي أُعلن فيها، أنه «لن تكون هناك قوات أميركية ذات دور قتالي في العراق» بحلول الـ31 من الشهر الجاري، وبأن «العلاقة الأمنية ستنتقل إلى دور التدريب والإرشاد والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية»، حيث خلا البيان المشترك تماماً من كلمة «انسحاب»، ووفقاً للتصريحات الأميركية اللاحقة، التي تعتبر أن «إنهاء المهمّة القتالية فكرة سيّئة»، قلت في مقالة لي في الخامس من آب الماضي بصحيفتنا «الوطن»، إنه «ماكو انسحاب» أميركي من العراق.
خلية الإعلام الأمني العراقية، قالت في بيان لها في الـ9 من كانون الأول الجاري: إن مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي «استضاف اجتماعاً بين اللجنة الفنية العسكرية العراقية برئاسة نائب قائد العمليات المشتركة الفريق أول الركن عبد الأمير الشمري ونظيرتها في قوات التحالف برئاسة قائد قوات عمليات العزم الصلب في العراق اللواء جون برينان من الولايات المتحدة الأميركية».
الأعرجي، أعلن بنهاية الاجتماع: «اليوم أنهينا جولة الحوار الأخيرة مع التحالف الدولي والتي بدأناها في العام الماضي، لنعلن رسمياً انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف وانسحابها من العراق»، مؤكداً أن «العلاقة مع التحالف الدولي ستستمر في مجال التدريب والاستشارة والتمكين».
كذلك، أكدت قيادة العمليات المشتركة في وزارة الدفاع العراقية، في بيان لها في الـ10 من كانون الأول الحالي، أن «القوات القتالية للتحالف الدولي ستغادر العراق بالكامل قبل نهاية هذا الشهر».
بعد بضع ساعات من إعلان العراق انتهاء الدور القتالي لقوات التحالف الدولي رسمياً، وبدء انسحابها من العراق، وبينما كانت الأوساط الشعبية والرسمية تترقب تنفيذ هذه الخطوة لما تحمله من دلالات سياسية وأمنية، قال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكنزي في مقابلة مع وكالة «أسوشيتيد برس»: إن «واشنطن ستبقي القوات الحالية البالغ عددها 2500 جندي في العراق» محذراً من «زيادة الهجمات الإرهابية»، مضيفاً: «الميليشيات تريد مغادرة جميع القوات الأميركية من العراق، لكننا لن نغادر» موضحاً «انسحبنا من القواعد التي لم نكن بحاجة إليها، وجعلنا الوصول إلينا صعباً. لكن العراقيين ما زالوا يريدون منا أن نكون موجودين وأن نشارك، ماداموا يريدون ذلك، يمكننا أن نتفق بشكل متبادل، سنكون هناك».
المتابع لتحركات القوات الأميركية المحتلة للعراق خلال الأشهر الماضية، لم يلحظ أي خروج لمعداته القتالية من طائرات حربية، وطائرات أباتشي هجومية، ولا حتى منظوماته الصاروخية، أو آلياته ودباباته المدرعة! فما حاجة هذه القوات التي بدلت اسمها فقط من «قتالية» إلى «تدريبية» إلى هذا الكم الهائل من التسليح؟! كما أنها لم تستح من التأكيد أن عديد قواتها في العراق البالغ 2500 جندي، سيبقى كما هو، إضافة إلى بقاء 1000 جندي من قوات التحالف الدولي للمشاركة في التدريب والمشورة أيضاً، غير المحددة بأي زمن.
الأمين العام لحركة النجباء أكرم الكعبي، قال بعد اجتماعه مع قادة ثمانية فصائل من المقاومة العراقية: إن «تصريحات الأميركيين واضحة وصريحة ويؤكدون أنهم لن ينسحبوا من العراق في نهاية العام الحالي وهذا يثبت أن الاحتلال الأميركي لا يحترم سيادة العراق»، مشيراً إلى أن «تسليم سلاح المقاومة لن يحدث، حتى لو كلفنا أرواحنا، واليوم نحن مستعدون للعودة إلى الوضع بعد عام 2003، ونبقى نقاوم الاحتلال حتى كسره وتمريغ أنفه بتراب العراق وإخراجه منه ذليلاً منكسراً فنحن لن نتراجع ولن ننكسر».
الإحراج الذي تسبب به ماكنزي للقيادات العراقية، حاول منسق مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، والوفد المرافق له، بحضور السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر، لدى لقائه الأعرجي، بالقول، وفقاً لبيان مكتب الأعرجي في الـ12 من كانون الأول الجاري: «لن تستخدم سماء العراق وأرضه ومياهه منطلقاً للاعتداء على دول مجاورة له» مؤكداً أن «الولايات المتحدة الأميركية لا تشكل أي تهديد على أي دولة»!
الولايات المتحدة لن تغادر العراق، وقواتها ستظل في الأراضي العراقية، تنتهك السيادة السورية بدعم الإرهابيين فيه ونقل السلاح والعتاد لهم، وسرقة النفط السوري وباقي خيراته الاقتصادية.
إن إعلان انسحاب القوات الأميركية من العراق بنهاية العام الحالي، لن يغيّر من الوقائع على الأرض بشيء، وأقصى ما ستفعله في الأشهر القادمة هو ترشيق عديد قواتها في العراق، لذر الرماد في العيون.
يعني مثلما قلنا سابقاً: «ماكو انسحاب»، وقوات الاحتلال الأميركي ستبقى في العراق، مهددة ليس سيادته واستقراره فقط، وإنما سيادة وأمن واستقرار المنطقة برمتها.