هل أصيب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون بالعدوى من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية، بعدم التمكن من مقاربة الأمور والحقائق، وعدم الاتزان بين النظري والعملي، والخروج عن درب الواقع، بإطلاق معادلة «خطوة بخطوة» والحديث عن إعادة بناء الثقة في اجتماعات لجنة مناقشة تعديل الدستور المقبلة؟
في المطلق ما صدر عن بيدرسون كلام جميل، مفيد أن يدرس نظرياً في معاهد الدبلوماسية العالمية، لكن ماذا بشأن التنفيذ على أرض الواقع، هل ترك الأميركي ودول التآمر العالمي على سورية درباً سهلاً يمكن السير عليه «خطوة بخطوة»، وهل يمكن لذاك المبدأ أن يجعل كفتي الميزان والعدالة تستقيمان وتتوازنان في ملف كالملف السوري، كي تكون المقاربة ممكنة، كان الأجدى أن يتحدث السيد بيدروسون عن مبدأ «خطوة بألف خطوة» وقبل ذلك كان من الواجب الحديث عن سبل تعبيد دروب تلك الخطوات قبل الدعوة للسير عليها، فما تسببت به دول العدوان على سورية وفي مقدمتها الأميركي، وما اتخذه من خطوات عدوانية من حصار وتجويع وقتل طال الشعب السوري، يحتم عليهم جميعاً الهرولة آلاف الأمتار حتى تتم مطالبة السوري بالسير خطوة، ألم يعيدوا سورية أربعين عاماً إلى الوراء بفعل إرهابهم وتدميرهم لبناها التحتية ومؤسساتها الخدمية.
ألم يكن الأجدى بالسيد بيدرسون عوض الحديث عن إعادة ثقة، حولها الأميركي إلى ركام، أن يتحدث عن مبادرة اعتذار يتقدم بها الأميركي ومن لف لفيفه لسورية قيادة وجيشاً وشعباً، والذهاب إلى طلب الغفران بإشادة قصور من الثقة، عله بذلك يعوض ما تم تدميره من بناء سابق.
كثيرة هي الأسئلة التي أعقبت زيارة بيدرسون إلى دمشق مؤخراً، فالرجل الذي نثر بذور التفاؤل في دروب العام الجديد بقوله «اليوم يمكن القول إن هناك فرصاً لإعادة إطلاق المسار السياسي، وكان لدي عدة لقاءات في عدد من الدول العربية، وكذلك أجريت مباحثات معمقة مع الأميركيين والأوروبيين، وأرى أن هناك فرصة جادة لبحث إمكانية تطبيق مقاربة خطوة بخطوة»، ليكون السؤال ماذا كان يفعل إذاً خلال الجولات السابقة من «أستانا» ألم تكن هناك فرص؟ أم كان يود القول: لم يكن هناك قرار وأمر أميركي بالسير في مسار سياسي؟ وإذا كان فعلاً اليوم هناك قرار وأمر أميركي بذلك، لماذا الآن، نستبعد حكماً غلبة «الديمقراطية الأميركية» على ذاك القرار، وخاصة أن تلك «الديمقراطية الأميركية» ظهرت على حقيقتها بفرض حزمة جديدة من العقوبات على سورية وإيران قبل ما يسمى بـ«قمة الديمقراطية»، وخاصة أن تجارب الماضي أثبتت أن واشنطن لا تقدم على تغيير نهج تتبعه للضغط على خصومها هنا أو هناك إلا في حالة فشله، كما أن كلام بيدرسون ذاك جاء وحسبما ذكر موقع «المونيتور» عقب لقائه بممثلي الدول الرئيسية صاحبة المصلحة في أوروبا والولايات المتحدة والعالم العربي خلال الأسبوع الماضي.
لا نعمل مما سبق على تكسير «مجاديف» بيدرسون التي ينوي من خلالها الدفع بمركب الملف السياسي، بل على عكس ذلك، فالحكومة السورية كانت جادة منذ بداية اجتماعات «أستانا» في جميع طروحاتها للوصول إلى حل ينهي الأزمة، وأبدت كل الحرص على إنجاح جميع حوارات ونقاشات «الدستورية»، إلا أن حديث وفد «المعارضات» الدائم بلسان مشغليهم، بما يتناسب مع مصالح أعداء سورية، دائماً ما قيد أي خطوة سورية على درب الحل السياسي.
ليس خفياً على أحد تعثر الولايات المتحدة في معظم جبهات المواجهة التي فتحتها سواء مع روسيا وجبهة أوكرانيا، أو مع إيران والجبهة «النووية»، إضافة إلى حالة التيه التي تعيشها في سورية، وعدم قدرتها عبر عدة سنوات من وجودها كقوة محتلة على أراضيها من الإعلان عن أمر يمكن تحويله إلى نصر أو إنجاز، ترابط تلك الجبهات وما تعانيه واشنطن من خيبات وخسارات، قد يدفع بها إلى تقديم تنازلات، من تحت الطاولة وبمسميات براقة، لإحداث خرق ما على «الجبهة السورية» يمكنها الاستثمار به لاحقاً في مجال ما.