حكى خبير إداري عـن رئيس قسم بشركة مهمة حيال تجربة مرت بـه؛ حيث زار مؤسستَهم ممثل إحدى الشركات الموردة التي تتعامل معهم خلال فترة طويلة، وأثار سلوك ذلك المندوب وأسلوبه بالتعـامل استغراب صاحبنا، حيث أضحى عديم المبالاة الآن بعـد أن كان يولي الاهتمام والعناية في الماضي بهم كعملاء، هنا قام صاحبنا باتصال هاتفي مع مدير عمليات الشركة للاستفسار حيال أي تقصير أو سوء تعامل من القسم الإداري أو المالي بمؤسسته وبالتالي انعكس سلباً على أسلوب ذاك المندوب، وفاجأه الرد الصاعق من الجهة الأخرى: «لقد أصبحنا نعمل بلا حماس من دون حوافز ولعـلنا نحظى بمؤسسة بديلة تقدر عملنا وجهدنا».
دعـوني أعـرض أسوأ جريمة في الإدارة… قد يجدر بنا في البداية، التفكير حيال الأمور التي دفع المندوب ومدير العمليات- وغـيرهما من الموظفين – للتصرف والتحدث بهذا الشكل اللامبالي؟
هل يدرك صناع القرار ضمن تلك الشركة حجم المصيبة التي تسببـوا بها لدى تحطيمهم روح الولاء والانتماء لدى موظفيهم؛ ما أفرز تأثيرات ضخمة على مجمل الخدمات والمنتجات والعلاقات التي خسرتها شركتهم داخل الأسواق بسبب أفعـال لا مسؤولة كهذه!؟
في الواقع هنالك الكثير من الإجابات في دراسة أجرتها مؤسسة أبحاث عالمية 2016 على بضع مئات من المديرين التنفيذيين ورؤساء الأقسام في شركات ومؤسسات ضمن قطاعات متباينة وذات حجوم مختلفة، وأوضحت الدراسة أن أول سبب يدفع الموظفين لمغادرة الشركات هو المدير السيئ وذلك بنسبة 44 بالمئة من الموظفين؛ فقد أكدوا أنهم سيتركون مكان عملهم بسبب سوء تعامل المديرين حتى لو كانت الوظيفة تؤمــّن لهم شروطاً مالية ممتازة؛ وميزات اجتماعية مهمة.
تعـرّضت الدراسة لأسوأ سلوكيات المديرين التي تنفـّر الموظفين: جاء في المرتبة الأولى وبنسبة 63 بالمئة سرقة المديرين لجهود وإنجازات الموظفين ونسبتها لأنفسهم أمام الإدارات العليا بهدف تسويق أنفسهم أو لإشباع غـرورهم الذاتي.
كانت المرتبة الثانية للسلوكيات السيئة للمديرين هو شك المدير في قدرات الموظفين وعدم ثقته لإيكال المهام إليهم. هذا الشعور يضع الموظفين تحت ضغط هائل من مشاعر الشكوك والإحباط.
حل في المرتبة الثالثة موضوع انعـدام مشاعر التقدير والاهتمام من المدير تجاه الجهود الإضافية والمتميزة من الموظفين، وللأسف يتناسى أو يتجاهل بعـض المديرين موضوع التعـبير عـن الامتنان؛ وتقديم الثناء لإبداعات الموظفين ما يفرمل الرغـبة لدى الموظف في التميز والعطاء مستقبلاً.
لا ننسى أيضاً حرمان الموظفين من العلاوات والمكافآت ؛ وموضوع المحاباة في الترقيات لترفيع الموظفين غير الأكفاء في المراتب القيادية الأعـلى.
أخيراً، وضمن خضم الأعمال وزحمة الاهتمام بالمبيعات والأرباح ينسى عدد كبير من المديرين أن أهم الموارد المتاحة لديهم في شركتهم هو الموظف؛ ومجموعـه ضمن فريق العمل الذي يولد ويصنع ويدير السلع والاستثمارات والخدمات والأصول.
ومن دون أي شك فخسارة ولاء الموظف وحماسه هو أكبر كارثـة تحيق بشركة ما.
أختم هذه العـجالة بجملة تختصر كل ماسبق: «أسوأُ جريمةٍ إداريةٍ يرتكبها مدير هي أن يحوّلَ موظفاً كان يهتم بكل شيء، إلى موظفٍ لم يعد يبالي بأي شيء».