تحت عنوان «مذكرة توصيات للحكومة الإسرائيلية» قدم مركز أبحاث «ميتفييم» أي «المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية» في تشرين الثاني الماضي، مجموعة مقترحات كان أحد أهدافها هو تحويل الكيان الإسرائيلي إلى قوة مسيطرة في البحرين الأحمر والمتوسط، ففي البحر الأحمر يطالب المركز بأن تعد إسرائيل البحر الأحمر «ساحة إستراتيجية حيوية لها بصفته نقطة التقاء عدد من المصالح الاقتصادية والسياسية والمجال الأفضل لتمتين التعاون مع عدد من اللاعبين السياسيين من الدول العربية» وتدعو التوصيات إلى «الاستعانة بالسودان ومصر والإمارات بالتنسيق مع السعودية لتحقيق هذا الدور الإسرائيلي المتعاظم في نفوذه في البحر الأحمر وممراته الإستراتيجية».
أما في ساحة البحر المتوسط فيوصي المركز «الحكومة برؤية الفرص الهائلة التي يتيحها لأنه يشكل نقطة الواجهة الإستراتيجية بين الساحات في السنوات العشر المقبلة وهذا يتطلب استئناف الحوار الإستراتيجي مع تركيا واستعادة أفضل العلاقات معها بصفتهما الدولتين غير العربيتين في سواحله المتجاورة».
ويراد من تنفيذ هذه الخطط الإسرائيلية تشكيل قاعدة لحشد أكبر عدد من دول المنطقة لمحاربة إيران والتخلص من سياستها التي تهدد الوجود الإسرائيلي في المنطقة.
ولا شك أن خططاً من هذا القبيل ستلجأ إسرائيل عند تطبيقها إلى زيادة الحصار على سورية ولبنان لأن كلاً منهما وبخاصة المقاومة اللبنانية، تعد حليفاً لإيران وركناً أساسياً في محور المقاومة معها كما سيهدد تطبيق هذه الخطط الجزائر وتونس في المتوسط، واليمن في البحر الأحمر، وسيهدد العراق المجاور لسورية وإيران، فإسرائيل ستحاول من خلال هذه الخطط أو التوصيات استعادة دورها الوظيفي بشكل أكبر وأوسع مما كانت تقوم به في الخمسينيات والستينيات وخاصة لأنها تحاول الآن تحشيد دول عربية في كلا البحرين الأحمر والمتوسط بل قرب الخليج أيضاً للسيطرة على المنطقة.
ومن الطبيعي في هذه الأحوال أن توظف الولايات المتحدة وأوروبا إسرائيل لاستغلال كل تسوية تقيمها مع أي حكومة عربية لمصلحة تنفيذ هذه الخطط ضد بقية دول المنطقة المعادية للاحتلال الإسرائيلي والمناهضة لسياستها في المنطقة، وهذا ما فعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آخر ولايته حين أرغم حكومات عربية على البدء بالتوقيع على اتفاقيات تسوية مع تل أبيب وحشدها ضد الجمهورية الإسلامية وحلفائها ثم حشد المغرب ضد الجزائر بعد توقيعها على اتفاقية تطبيع مع تل أبيب، والمفارقة المذهلة هي أن واشنطن وعواصم الغرب يعرفون مثلما يعرف قادة تل أبيب أن الكيان الإسرائيلي يمر بمرحلة تظهر فيها أهم عوامل ضعفه وهشاشة حصانته الداخلية بموجب ما صدر عن نتائج مؤتمرات الأبحاث التي عقدها مركز «هيرتسيليا» ومؤتمر أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، ولذلك يحاول مركز «ميتفييم» للأبحاث أن يضع مشروع خطة إسرائيلية للتغلب على عوامل الضعف الداخلي الإسرائيلي وتعويضها باتفاقات يريد بواسطتها الاستعانة بحكومات عربية لتحقيق أهدافه ضد الفلسطينيين وضد الدول العربية الأخرى، ولا شك أن سياسة الاستكانة لما تفرضه الولايات المتحدة على الحكومات العربية الصديقة لمصلحة إسرائيل ستولد لتلك الحكومات نفسها مشاكل داخلية هم في غنى عنها كما لن يؤدي التجاوب مع السياسة الأميركية في موضوع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها إلى حل المعضلات الداخلية التي بدأت تتسع مضاعفاتها في الكيان الإسرائيلي من دون أن يكون بمقدوره إخفاء تأثيرها السلبي في قوته ومستقبل وجوده.
ولذلك لم يكن من المستغرب أن يشعر الفلسطينيون في الأراضي المحتلة وفصائل المقاومة بأن مقاومتهم المستمرة بدأت تزعزع شرعية هذا الكيان وقدراته على تبرير مشروعه الصهيوني حتى في أوساط يهود العالم الذين كفوا تقريباً عن الهجرة إليه، يضاف إلى ذلك بالمقابل أن إيمان الفلسطينيين بقيمة وجودهم كملايين سبعة في داخل الأراضي الفلسطينية أمام ستة ملايين ونصف مليون من المستوطنين وانتشار الفلسطينيين الممتد فيها من قطاع غزة المحرر حتى الجليل المحتل منذ عام 1948 أصبح يعد بنظرهم عامل انتصار صارخاً على المشروع الصهيوني وما يسمى «الوطن اليهودي» في فلسطين ولذلك سينطلقون في نضالهم ضد الاحتلال من هذا العامل الذي يتيح لهم تحقيق المزيد من المنجزات على طريق تقرير مصيرهم داخل وطنهم وانتزاع جزء كبير من حقوقهم الشرعية والوطنية لمصلحة كل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وبخاصة حق اللاجئين بالعودة.
وفي ظل هذه الأوضاع المميزة للشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه وصموده في وطنه المحتل وفي ظل المساندة الطبيعية له من كل الشعوب العربية ورفضها للتطبيع، فإن كل هذه المخططات التي تعدها إسرائيل ضد المنطقة بطرق خبيثة سيكون مصيرها الفشل ولن يكون بمقدور هذا الكيان الانتصار على كل الشعوب العربية التي ترفض احتلاله ووجوده وفي مقدمها الشعب الفلسطيني.