من دفتر الوطن

وليد معماري أخي في الحبر والأحلام

| حسن م. يوسف

وليد معماري، لست أدري كم مضى من الوقت وأنا أحدق بشاشة الحاسب البيضاء بحثاً عن عبارة مفتاحية تشبهك وتليق بك، من دون جدوى.

كيف يمكن تكثيف ثلاثة وأربعين عاماً من الرفقة والمعاناة والمسرّة في بضع لحظات؟ كيف يمكن ضبط نهر من المشاعر والذكريات والهواجس والطموحات، في كأس من الكلمات؟

لم يعرف جبران خليل جبران وليد معماري لأن جبران توفي قبل ولادة وليد بعشرة أعوام، لكن جبران لمس طرفاً من روح وليد في قصيدته الخالدة «المحبة» فوليد كان «فجراً لذاته» كما المختار الحبيب. كذلك لمس جبران طرفاً من روحي في تلك القصيدة عندما قال: «المحبة لا تعرفُ عُمقها.. إلا ساعةَ الفِراقْ…» وها هي ساعة الفراق تمر بي في حالة من انعدام المعرفة والوزن، وفي داخلي صحراء مقفرة أكثر وحشة من صحراء ربعٍ خال، تعصف بها ريح ساخنة تدحرج فيها ذكريات العمر وهواجس الروح ككرات من الشوك وسط غيوم من الغبار.

ماذا أقول لكم عن أخي في الحبر والأحلام وليد معماري الذي غيّر عنوانه أمس الأول الجمعة؟

وليد معماري لم يتبع المحبة، كما المختار الحبيب، في قصيدة جبران خليل جبران، بل كان نبعاً من ينابيعها، وهو لم ينتظر المحبة كي تضمه بجناحيها كي يطيعها، بل ضمها بين جناحيه وطاعها وآمن بها وكان لسان صدقٍ لها.

وليد معماري لم يدافع عن خبز الإيمان المقدس الذي «يقربُ على مائدةِ الربِّ المقدّسة» وحسب، بل دافع قبل هذا وبعده عن الخبز العادي الذي يأكله الناس البسطاء على هذه الأرض.

في هذه اللحظات ألتفت خلفاً، وأرمق خطفاً العمر الذي أمضيته في الصحافة السورية، فأدرك أنه من الأشياء القليلة التي أفتخر بها حقاً، هو أنني كنت طوال سنوات عديدة شريك وليد معماري في كتابة زاوية «قوس قزح» كما كنت شريكه في كتابة زاوية «آفاق» أيضاً. ولا يسعني، في هذه اللحظات إلا أن أتذكر شريكين لنا في الحبر والأحلام هما تميم دعبول وقمر الزمان علوش أتمنى لهما دوام الصحة والعمر المديد من التألق والإبداع.

لم يكن وليد معماري مجرد صديق وزميل في الجريدة، بل كان أخاً بالمعنى الفعلي للكلمة، فنحن لم نتحاسب في يوم من الأيام، رغم أن الطفر كان ثالثنا في معظم الأحيان، وعندما ولدت ابنتي الكبرى مايا حتمت الضرورة أن ننتقل إلى بيت قريب من منزل جدتها، ومن الصدف الجميلة القليلة أن البيت الذي انتقلنا إليه جاء ملاصقاً لبيت وليد معماري. ونظراً لأن التخصص بهاتف أرضي كان أمراً عسيراً آنذاك، فقد أعطاني وليد فرعاً من هاتفه وبقيت أستخدم خطه لسنوات عديدة.

في بدايات تعارفنا قرأت نصاً لوليد معماري عن شخص ذهب إلى عيادة طبيب نفسي لأنه يعاني من شعور عميق بالكآبة، ولما شرح الرجل حالته للطبيب، سحبه الطبيب من يده نحو النافذة، وأشار إلى خيمة سيرك تلوح على بعد مئات الأمتار، قائلاً: «في هذا السيرك يوجد مهرج يضحك قلب الحجر، اذهب وشاهد العرض الذي يقدمه ذلك المهرج، فهو أفضل دواء لك».

عندها أطرق الرجل الكئيب أرضاً وقال بصوت منخفض:

– «أنا ذلك المهرج».

نعم لقد عاش وليد معماري حياته يترجم دموعه إلى ضحكات، لكنه اليوم يُحوِّل كل ذلك الفيض الباهر من الضحك الطيب الذي راكمه في داخلنا إلى دموع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن