«ألف نون».. تحتضن تجربة الفنان التشكيلي طلال معلا … بثينة شعبان لـ«الوطن»: الفن التشكيلي ارتقى في الحرب وجدد ذاته … وزيرة الثقافة: المعرض جميل لكنه مؤلم لأنه يضع الإنسان أمام ذاته
| سارة سلامة- تصوير: مصطفى سالم
ضمن احتفالية أيام الفن التشكيلي السوري أقامت غاليري ألف نون للفنون والروحانيات معرضاً للفنان طلال معلا بعنوان «عروس ومأدبة»، هنا حيث يلتقي الإبداع بريشة شغوفة بالتفكير والبحث يغوص فيها بأعماق ذواتنا ويضعنا أمام أنفسنا نفكر مراراً بما صنعنا، تجعلنا أعماله نتجرد تعرينا تجاه واقع أصبح مكشوفاً لا مجال للتخفي.
يسترق لحظات من المستقبل يحكي فيها عن عجزنا وقلة حيلتنا ها نحن إذاً مقبلون أمام مرآة فنية تشكيلية فلسفية يجسدها معلا اليوم من خلال «عروس ومأدبة».
إبداع وفن وأستاذ كان لا بد لتجربته أن تُبحث في معرض مهم احتفت فيه «ألف نون» وغصت القاعة بمتذوقي الفن والذوق والجمال.
وفي رواية «ألف نون» حيث تقول: «اتفقنا منذ زمن بعيد على أن الثقافة درب للأنسنة، فهناك فرق كبير بين المثقفين وبين من يدعون الفن وفعل الثقافة الواعي والمنتمي للوطن، وحدهم الساعون إلى الحقيقة من يستضيء نورها المقدس والتي سيجدونها قطعاً في العمل الجاد والخلاق والممتلئ بأنواع المعرفة والخير كحقول قمح، في معرضنا هذا ستجدون جرعات مكثفة من الأسئلة وربما ستستمعون إلى أجوبة صامتة عند عتبات عروس تنتظر ومأدبة نأمل أن يغادرها يهوذا للأبد».
جدد ذاته
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بينت المستشارة السياسية في سورية الدكتورة بثينة شعبان أن: «معرض الفنان طلال معلا مذهل وخاصة الطريقة التي يمزج فيها الألوان، وتعبر لوحات عديدة عن الموت والحياة والصبر والإرادة، حالة مذهلة تضعنا بين النور والرؤية والعمى، وهذا ما يميز معلا الذي يمتلك لونه وطابعه وبصمته الخاصة».
وأكدت شعبان أن المعرض يؤكد أن سورية مثل شجرة الزيتون، كلما عصرت تعطي الجمال والفن والموهبة، رغم كل الألم والمعاناة، موضحة: «أن الفن التشكيلي ارتقى في الحرب، وجدد ذاته وهذا سر قوة سورية التي تمتد حضارتها إلى عشرات الآلاف من السنين، وحقيقة أن إنتاج فنانينا في هذا الوقت الصعب يثلج القلوب».
وأشارت شعبان إلى أنها: «حضرت خلال سنوات الحرب أكثر من معرض لفنانين أتوا من حلب ومن كل أنحاء سورية، أتوا تحت ضرب القذائف، ونحن في مؤسسة «وثيقة وطن» نهتم بالفن التشكيلي ونبين أن هذا الفن قاوم وصمد وازدهر في زمن الحرب وبين أنه لا يمكن لقوة أن تقهر سورية وتقهر دعاتها».
أمام ذاته
بينما أكدت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح أن: «طلال مبدع بطريقة مختلفة حيث نرى أمام كل لوحة معاناة إنسانية ونرى حيادية الإنسان وما يدور حوله، ونرى الألم، في كل لوحة هناك عمق فلسفي، وإذا ما وقفنا أمام لوحته سوف لن نتأمل جمالية اللوحة بقدر ما نتوقف عند دلالاتها الفلسفية».
وأضافت مشوّح: إن «المعرض جميل ولكنه مؤلم في آن معاً لأنه يضع الإنسان أمام ذاته، أحياناً نغمض أعيننا عن الحقائق وننهش بعضنا بعضاً وهذا واضح في لوحة العشاء الأخير، التي عرض منها نموذجان مختلفان في الرؤية الفلسفية، أبارك «لألف نون» هذا المعرض، هي صالة تعرض أعمالاً مهمة منتقاة بعناية فائقة، وهذا أمر مهم حيث إن الصالات الخاصة أصبح لها حضور على الساحة التشكيلية السورية، وهي داعم أساسي للفنانين التشكيليين».
وأفادت مشوّح أن: «الفن التشكيلي نضج خلال سنوات الحرب ونضجت في ذهن الفنان الرؤية التشكيلية والحكائية لدى الفنان، وربما نضجت أدواته أيضاً، وفي مجمل المعارض التي نراها منذ عام وحتى الآن، هناك كم جميل جداً ومشاركات مهمة من فنانين تشكيليين عادوا إلى الوطن لأنهم وجدوا أن سورية هي الحاضنة لهم، لذلك فإن الحركة التشكيلية بقيت في تطور مستمر في سورية».
ومن جهتها بينت الصحفية نهلة كامل أن: «طلال يركز على أساس الإنسان في مواجهته للحياة مواجهة القدر، ويخلد ذلك للتاريخ كأسطورة، دائماً يجمع كل هذه المعاني، لذلك لوحته تكون خالدة وكأن الزمن لا يمر عليها».
دعامة ثقافية
بينما أوضح الفنان التشكيلي بديع جحجاح أن: «طلال معلا باسمه الكبير هو دعامة ثقافية ومرجع عظيم ومهم، وفي معرضنا اليوم (عروس ومأدبة)، نحاول أخذ هذه الكثافات الحزينة من خلال وجوه أكلها الغضب والحزن، وبأماكن أخرى نشاهد رؤى فيها فرح وسرور، هذه هي الجدليات التي عودنا طلال على طرحها، لكي يفضي بمكنونات نفسه على هذا السطح الذي نراه أحياناً على شكل بسيط جداً وحواس مغيبة، حيث نرى عيوناً تحتوي بؤبؤاً وأخرى فارغة هي كلها دلالات لها علاقة بالعمى، وهي تعني أن هناك حقائق واضحة لكن انغماس الإنسان في المادية وابتعاده عن المشروع المعرفي والروحاني يجعله شخصاً استهلاكياً ومجرد رقم».
وأضاف جحجاح إن: «غاليري (ألف نون) تحتفي مع أيام الفن التشكيلي بدورته الرابعة ومشكورة وزارة الثقافة والدكتورة مشوّح على إحيائها هذه الفعاليات الثقافية، أمام مرحلة فيها ارتهان لوضع اقتصادي مضنٍ للناس، لذلك نحن نتمنى على الدكتور طلال وعلى كل مريدي الثقافة والمعرفة الارتقاء بالإنسان أن تتكشف هذه المحنة عن البلد الذي يتوق شعبه لضفة فيها سلام وحب».
نأكل ذواتنا
ومن جهته كشف الفنان والناقد عمار حسن أن: «كل تجربة بالفن هي تجربة خاصة، وبالتالي ما يميز التجارب عن بعضها مدى العمق والارتباط بما يرسمه الرسام وأقول الرسام لأنه ليس سهلاً أن يصل الرسام إلى مرتبة الفنان، طلال معلا هو فنان وباحث وإنسان ومفكر يمتلك الكثير من الوعي، عندما يرسم طلال المرأة العروس أو المأدبة فهو يستعير الحاضر ويرسم رؤيته للمستقبل، هذه المأدبة التي نجتمع حولها لنأكل ذواتنا، كل المجتمعين على المأدبة يأكلون الإنسان ولكن كلهم ملائكة، إذاً من أين أتت الحرب؟ كيف صارت الحرب؟ وإذا ذهبنا إلى العروس هي تلك المرأة التي لديها خصوبات وستحمل ولادات للمستقبل. إلا أنها بلوحته لا ترى وأحياناً لا تملك يدين، فهي غير قادرة على الفعل وغير قادرة على الرؤية، فإذا كانت العروس التي تحمل للمستقبل التجدد والخصوبة غير قادرة على الفعل وغير قادرة على الرؤية فأي مستقبل ينتظرنا».
وأضاف حسن إن: «فكرة العروس هي فكرة كررها بأشكال مختلفة لأكثر من عقد ونصف العقد، وبالتالي لو رجعنا لقراءة وتحليل فكرة العروس لرأينا أن طلال كان فناناً رؤيوياً يرى المستقبل. ويرى الأنثى والوطن الذي وصل إلى مكان غير قادر على الإنجاب وغير قادر على التجدد، لذلك فإن خصوصيته تكمن بقدرته على خلق منطقه الخاص ورؤيته الخاصة، وشكل توليف المفردات داخل اللوحة لتنتج ألماً ورؤيته لها منطقها الخاص، ذلك لأن اللوحة الفنية هي التي توجد عالماً أو تتنبأ بوجود هذا العالم أو بعالم سيكون موجوداً بعد فترة، هذا ما يفعله طلال ومن هنا تكمن خصوصية تجربته».
أكبر من أي تقييم
أما الفنان التشكيلي رامي وقاف فرأى أن: «تجربة معلا كبيرة وليست بحاجة إلى شهادة، وتعتبر تجربته أكبر من أي تقييم، هو مهتم بالمجال النقدي للفنانين من خلال أبحاثه وكتبه وأصبحت مراجع لكثير من نقاد الوطن العربي. ونحن تعودنا على قراءة نصوصه المرسومة بالكلمات، يكتب أو يرسم باللون والريشة من خلال رؤيته النقدية، التي جاءت نتيجة أبحاث ودراسات عميقة نراها من خلال اللون، ومن خلال الشخوص التي يضع فيها أفكاره، نرى الحقيقة من خلال لوحات غاية في النضج والجمال، أعتقد أن تجربته الفكرية عندما تترجم إلى لوحة تكون دلالاتها أقوى».
بينما محي الدين الحمصي يقول: «الفنان طلال معلا غني عن التعريف، هو مدرسة بحد ذاتها ويعمل كثيراً على موضوع الأيقونة، إلا أن الأيقونة بمنظوره هي مثل البورتريه تحكي عن حالات إنسانية».