ثقافة وفن

في المؤتمر الصحفي الخاص بإدراج القدود الحلبية إلى التراث الإنساني … د. لبانة مشوح: هذا الإنجاز يعزز نفسياً الشعور بالأمل والقدرة على مواصلة الصمود … شادي الألشي: دور الأمانة نابع من حماية الهوية الثقافية السورية باعتبارها هوية متجذرة بالتاريخ فارس كلاس: تسجيل القدود الحلبية يعتبر انفتاحاً على التراث السوري وتثبيتاً لموقعه عالمياً

| وائل العدس- تصوير: مصطفى سالم

خلال اجتماع الدورة السادسة عشرة للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي اللامادي في باريس، تم الإعلان عن إدراج عنصر «القدود الحلبية»، ليضاف إلى التراث الإنساني العالمي كجزء من ثقافة وتراث المجتمع السوري العريق.

يأتي قرار منظمة اليونيسكو لهذه السنة بإدراج القدود الحلبية، بعد تسجيل سورية لعنصر «الحرف والممارسات المرتبطة بالوردة الشامية» أيضاً ضمن القائمة التمثيلية عام 2019، وتزامناً مع الفترة التي تشهد فيها مدينة حلب إعادة إعمار لأسواقها التراثية وخاناتها الأثرية، وبث الحياة فيها.

وقد عبّرت السفيرة الدائمة للجمهورية العربية السورية لدى اليونسكو السيدة لمياء شكور في كلمتها عقب إعلان نتيجة التسجيل عن فخر السوريين واعتزازهم بمخزونهم الثقافي، وصونهم لهذا التراث ونقله وخصوصاً في فترة الحرب الطويلة التي تمر بها سورية.

الأمانة السورية للتنمية عملت عبر برنامجها «التراث الحي» وبالتعاون مع المجتمع المحلي الممارس للقدود الحلبية منذ عام 2018، على رفع الوعي بأهمية الإدراج على قوائم اليونيسكو، وجمع المعلومات الأساسية والداعمة لملف الترشيح عبر اجتماعاتٍ وورش عمل مع باحثين ومختصين موسيقيين ومطربي حلب وصولاً إلى إرسال ملف الترشيح عام 2019، وتقييمه من قبل خبراء مختصين بالتراث اللامادي من أكثر من اثني عشرة دولة عربية وأجنبية ليستحق الملف قرار الإدراج حيث جاء في القرار «أن لجنة التقييم تثني على ملف القدود الحلبية وما قدمه من إبراز لأهمية التراث اللامادي، وقدرته على تزويد المجتمعات بمصادر الصمود في حالات النزاع وما بعد الصراع وتعزيز بناء السلام والحوار بين المجتمعات، علماً أن برنامج «التراث الحي» أحد البرامج الوطنية للأمانة السورية للتنمية يعمل على صون وتوظيف التراث الثقافي السوري كقوة إيجابية في تنمية سورية المجتمعية وإعادة إحياء مجتمعاتها كما يشرف البرنامج على إعادة إحياء المعالم التاريخية والأثرية والمواقع التراثية».

كما كان للأمانة السورية للتنمية شرف اللقاء والتعاون مع الراحل الكبير صباح فخري الذي قدّم الكثير من معرفته وخبرته الطويلة في التراث الغنائي الحلبي وخاصةً القدود الحلبية بما يُغني الملف ويسهم في نقل الحكاية السورية المتناغمة إلى بقية المجتمعات الإنسانية.

وأكدت الأمانة السورية للتنمية وباعتبارها جزءاً من هذا المجتمع العريق أن راية القدود الحلبية والطرب الأصيل بما يحمله من ألحان وكلمات، أمانة ووسام سيحافظ عليه من كل محبي القدود.

وبهذه المناسبة، عقدت الأمانة السورية للتنمية ووزارة الثقافة مؤتمراً صحفياً ظهر الخميس الماضي في دار الأسد للثقافة والفنون، رصدت «الوطن» أهم تفاصيله:

بناء مستقبل أفضل لسورية

أكدت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح أن إدراج منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونيسكو» القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني يؤكد أن العالم يعترف أننا بناة حضارة مشيرة إلى أن هذا الإنجاز يفتح نوافذ جديدة يتم العمل على توسيع دائرتها.

وقالت: عنصر جديد من عناصر التراث السوري اللامادي يدرج ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني في «اليونيسكو» لعام 2021، وجاء في حيثيات القرار أن اللجنة تثني على ملف القدود الحلبية وما قدمه من إبراز لأهمية التراث اللامادي وقدرته على تزويد المجتمعات بمصادر الصمود وتعزيز بناء السلام والحوار بينها.

وأشارت مشوّح إلى أن الأمانة السورية للتنمية بالتعاون مع وزارة الثقافة بذلت جهوداً كبيرة داخلياً وخارجياً في إعداد ملف القدود الحلبية وفق منهجية دقيقة مبنية على دراسات معمقة شارك فيها باحثون ومتطوعون وفنانون والكل مدفوع بشغف تراثنا اللامادي وبشعور عال بمسؤولية حمايته وصونه، موضحة أن الهدف حالياً هو استثمار هذا الملف بالشكل الأمثل في بناء مستقبل أفضل لسورية.

وأوضحت أنه بعد عشر سنوات من الحرب الإرهابية واليوم بعد تحرير الجزء الأكبر من أراضينا نحن محاصرون اقتصادياً ونفسياً ومقدراتنا مصادرة في أغلبها والهدف الأساسي من كل ذلك تدمير الهوية السورية والإرادة والقدرة على الصمود والعطاء في مجتمعنا، مشيرة إلى أن هذا الحصار لا يستهدف السوريين في هويتهم الثقافية فقط بل في لقمة عيشهم.

ولفتت وزيرة الثقافة إلى أن إدراج القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني يشكل خرقاً على الصعيد الدولي ويؤكد أن العالم يعترف أننا بناة حضارة وأننا بنينا ثقافتنا عبر العصور وورثناها عبر الأجيال وأغنيناها بقدرات شبابنا وكفاءاتهم وأفكارهم البناءة.. هذه الثقافة معترف بها عالمياً لدرجة أن عناصرها وهذا ليس العنصر الأول الذي يسجل على لائحة التراث الإنساني أصبحت عنصراً ثقافياً لا مادياً إنسانياً وهذا يعني الكثير.

وبينت أن هذا الإنجاز يعزز نفسياً الشعور بالأمل والقدرة على مواصلة الصمود بمواجهة ما تتعرض له سورية ورغم الحصار كان فنانونا ومثقفونا طوال السنوات الماضية يحاربون في نتاجهم الإبداعي، لافتة إلى أن سورية بهذا الإنجاز تخرق الحصار وهناك مؤشرات عديدة تثبت أن نوافذ بدأت تفتح وبجهودنا ودعم الأصدقاء والأشقاء سنوسع دائرتها.

ونوهت إلى الأهمية الكبيرة لهذا الإنجاز على الصعيد الاقتصادي بأنه عندما يكون لدينا عنصر ثقافي سواء أكان مادياً أم لا مادياً مسجلاً على لائحة التراث الإنساني أو العالمي فإن هذا العنصر يصبح عامل جذب للآخر وترويجاً للثقافة عموماً وهذا يعني أننا بذلك نستطيع أن نتربع على خريطة العالم الثقافية وإذا ما فعلنا سننتقل إلى خريطة العالم السياحية وكل هذا يتيح رافعاً من روافع الاقتصاد الوطني فالفائدة كبيرة على كل الصعد.

وأوضحت أن إدراج اليونيسكو القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني يرتب على سورية تقديم تقرير مفصل كل ست سنوات عن الإجراءات المتخذة للحفاظ على عنصر التراث اللامادي ونشره وفي حال تم التقصير في ذلك يوضع على قائمة أخرى هي قائمة التراث الإنساني المهدد بالخطر، لافتة إلى وجود أنشطة وفعاليات وإجراءات للحفاظ على هذا العنصر بالتعاون مع كل الجهات ومنها المجتمعات المحلية.

وأضافت: نحن نواجه اليوم حرباً تستهدف شخصيتنا الوطنية وهويتنا وأفكارنا والمبادئ التي نشأنا عليها.. هم أرادوا أن يمحوا ذاكرتنا ويستبدلوا بها ذاكرة هدامة لا تمت لحضارتنا وثقافتنا بصلة واليوم مع إدراج القدود نؤكد أننا ممثلون بأصالتنا وأننا حافظنا على هذه العناصر التي ورثناها من أجدادنا وسنحافظ عليها ليس لأبنائنا فقط بل للإنسانية قاطبة، فنحن من صدّر للعالم أجمع النوتة الموسيقية والوردة الدمشقية وبذرة القمح الأولى والمحراث، كما صدرّنا لهم الفن التشكيلي المتمثل بأول قطعة من المنحوتة المصنوعة والتي تمثل آلهة الخصوبة ويعود تاريخها إلى ثمانية آلاف عام قبل الميلاد.

ورداً على سؤال حول انعكاس إدراج القدود على لائحة التراث الإنساني على مدينة حلب لكونها صاحبة الفضل الأكبر والأوسع في نشر وتأليف وتلحين القدود أكدت مشوّح أن هذا الإنجاز سينعكس على كل المدن السورية، صحيح أن القدود نشأت في حلب وفي زمن ليس بالقريب وأبناء المدينة احتضنوا هذه القدود وطوروها ونقلوها من مدينتهم إلى الوطنية والعربية والعالمية وفي مقدمتهم الراحل صباح فخري الذي كان له الفضل الأكبر في تطوير القدود لكن بإدراجها على لائحة التراث الإنساني أصبحت سوريّة وعربية بامتياز ويمكن القول إنها أصبحت عالمية، إذا هي حلبية المنشأ وسنعود إلى حلب ومنها ننطلق واليها نعود.

وتوجهت مشوّح بالشكر للأمانة السورية للتنمية بكل كوادرها ولمديرية التراث اللامادي في وزارة الثقافة ولمندوبة سورية الدائمة في اليونيسكو لمياء شكور على جهودها في إعداد الملف ومتابعته ليصل إلى مبتغاه، مؤكدة أن الشكر الأكبر والامتنان الأعمق للسيدة أسماء الأسد لكل ما قدمته من دعم ومساندة وتشجيع على إتمام هذا الملف لكي نكون جميعاً فخورين به اليوم.

حماية الهوية الثقافية السورية

الرئيس التنفيذي للأمانة السورية للتنمية شادي الألشي قال إن دور الأمانة السورية للتنمية نابع من الهدف الأساسي لها، وهو حماية الهوية الثقافية السورية باعتبارها هوية متجذرة بالتاريخ، وهذا ما يجعلنا كمؤسسة ملتزمين بصون التراث، مشيراً إلى أن اهتمام الأمانة بهوية السوريين الثقافية تتفرع إلى شقين، الأول هو إعادة إحياء المقاصد التراثية والاهتمام بالتراث المادي ليس فقط من خلال الترميم بل أيضاً من خلال توفير الحد الأقصى من الفرص لتحقيق تنمية اجتماعية مُستدامة، مثال ذلك دور الأمانة السورية للتنمية لإحياء أسواق مدينة حلب القديمة، أما الشق الثاني، فهو صون التراث اللامادي ومن ضمنه القدود الحلبية من خلال اهتمام الأمانة بكل تفاصيل عاداتنا وأعرافنا وتقاليدنا.. وهذا كانت نتيجته إدراج عدة عناصر مثل خيال الظل والوردة الشامية والآن القدود الحلبية على قائمة اليونسكو للصون العاجل.

وأضاف: كل عنصر من التراث اللامادي نضع له خطة صون وهذه الخطة تتضمن مجموعة من الأنشطة والتدريبات تخص الممارسين والحاملين، في خيال الظل مثلاً، والذي تم إدراجه على قائمة اليونيسكو للصون العاجل سابقاً، وفرت وتوفر الأمانة السورية للتنمية كل التدريبات اللازمة لمضاعفة أعداد المخايلين في سورية ونشر هذا العنصر على مستوى المحافظات بالتعاون مع وزارة الثقافة إضافة إلى توسيع فهم المجتمعات حول هذا العنصر، أما بالنسبة للوردة الشامية فقد راحت الأمانة نحو العمق من خلال مساعدة المزارعين ونشر هذه الزراعة وفهم أهميتها ومتطلباتها وانعكاسها الثقافي والاجتماعي.

انفتاح على التراث السوري

عضو مجلس الأمناء في الأمانة السورية للتنمية فارس كلاس قال: حاولنا وطنياً القيام بجهود أكبر في حصر تراثنا عن طريق جمع وتوثيق التراث اللامادي والأضرار التي حصلت على البنى التحتية والمواقع الأثرية، إضافة إلى المجتمع وما فقده فيما يتعلق بمشكلة النزوح، قبل الحرب كان التحدي في حفظ التاريخ والحضارة والعمق الذي تركه الأجداد وفي ترك أثر للأجيال القادمة.

ورداً على سؤال لـ «الوطن» أجاب: ما زال الخطر قائماً على عناصر التراث وعلينا تجاوزه بجهود الجميع حتى لا تمحى الهوية، وعلينا أن نكون قادرين على تقديم ما يجب لحماية الهوية السورية أسوة بما قدمه الجيش العربي السوري.

وفي جواب آخر لـ «الوطن» أضاف: يترتب على تسجيل القدود الحلبية في قائمة التراث الإنساني لليونيسكو مسؤولية على الجميع فهناك تقرير سنوي يقدم للمنظمة حول ما يتم إنجازه في سياق هذا العنصر؛ لذا يكون دورنا تطويره وإحياءه بشكل أكبر وخلق فرص له ولانتشاره وجمع المجتمع المحلي حوله وتوجيهه نحو قيمة هذا التراث، وتدريب الأجيال على هذا النوع من الموسيقا.

وشدد على أن تسجيل القدود على قائمة اليونيسكو يعتبر انفتاحاً على التراث السوري وتثبيتاً لموقعه عالمياً، فبهذا الإدراج يتم استقطاب الباحثين والعاملين على التراث اللامادي.

واختتم بالقول: تشغل الأمانة دوراً لدى اليونيسكو أهلّها له اعتماديتها لدى المنظمة وهو ما ساهم في تسهيل الجهود لتسجيل عنصر القدود الحلبية لدى المنظمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن