استوحيت هذا العـنوان من تعـريب المجمع اللغوي العـربي لكلمة «ساندويش» بقولهم (الشاطر والمشطور والكامخ بينهما)! فليعـذرني القارئ عـلى سرقتي الأدبية!
يميل الكثير من مديري المؤسسات في يومنا هذا لقمع أي مرؤوس يتجاسر عـلى الإبداع في مجاله؛ لأسباب كثيرة أهمها خشيتهم من أن يفكر – ولو لهنيهات- أن بإمكانه الحلول مكان المديـر؛ أو أن تلاحظ الإدارة العـليا مواهبه لترقـّيه؛ ويصبح منافساً؛ أو لئلا يظهر جهل صاحبنا المدير وهو الذي يعـتقد أنه بعـبقريته الفذة (فتح الترعـة)!
تقول قصة قرأتها إنه «كان هناك طفل يدعى (جاوس) في القرن السادس عشر، وبالتحديد في إحدى القرى الألمانية، وقد كان طالباً ذكياً من النوع الخارق للمألوف، كلما سأل مدرس الرياضيات سؤالاً كان صاحبنا السباق للإجابة عن السؤال، فيحرم بذلك التلاميذ الآخرين في الصف من فرصة التفكير في الإجابة.
في إحدى المرات سأل المدرس سؤالاً صعباً… فأجاب عليه جاوس! بشكل سريع ما أغضب مدرّسه فأعطاه المدرس مسألة حسابية وقال له: أوجد ناتج جمع الأعداد من 1 إلى 100 (طبعاً كي يلهيه ويفسح المجال للآخرين)، بعـد دقائق قصيرة أجاب جاوس بصوت مرتفع: 5050! فصفعة المدرس صفعة قوية، قائلاً: هل تمزح؟ أين حساباتك؟
أجابه جاوس: اكتشفت أن هناك علاقة بين 99 و1 ومجموعها = 100 وأيضاً 98 و2 تساوي 100 و97 و3 تساوي 100 وهكذا إلى 51 و49!، واكتشفت بأني حصلت على 50 زوجاً من الأعداد، وبذلك ألفت قانوناً عاماً لحساب هذه المسألة، وأصبح الناتج 5050 فاندهش المدرس من هذه اللماحية، ولم يعلم أنه صفع في تلك اللحظة الإنسان الفذ «فريدريك جاوس» والذي سيصبح من أهم وأشهر ثلاثة علماء رياضيات في التاريخ».
الخطأ الذي يقع فيه بعـض الإداريين «وأصر عـلى كلمة (بعـض)» هو ظنهم بأن العملية الإدارية تقوم بشكل رئيسي على «فرض القوة» وعلى «التعامل الصارم» مع الموظف، وهذا أمر خاطئ تماماً، بل إن تحليل تصرفات ممارسي هذه الأساليب قد تقود للكشف عن أمراض نفسية، تتعلق بانعدام الثقة بالنفس، أو الشعور بالتهديد من ذوي الكفاءة والتميز، وأيضاً الإدراك في قرارة نفس الشخص أنه في موقع مسؤولية «أكبر منه»، بالتالي النجاح في مهمته يقتضي التعامل مع الموظف بأسلوب «قانون الغاب»، السلطة فيه للأقوى، والإذعان لمن يفرد عضلاته ليخاف الآخرون من انتقامه أو إجراءاته التي يطوّع فيها القوانين واللوائح حسبما يخدمه شخصياً.
مثال آخر عـن موظف لامع في مؤسسة، كان في منصب مرموق بدرجة مدير تنفيذي لقطاع حيوي، يُشهد له بالعمل الجاد وبالأداء الوظيفي المميـّز، واجه سيناريوهاً شيطانياً للتخلص منه لكونه ذا أفكار خلاقة، كان واعياً لحقوقه ولم يستجب لتهديدات مسؤول الموارد البشرية، ففوجئ بعد عدة أيام بقرار تغيير مسماه الوظيفي عبر بريد إلكتروني أرسل لجميع الموظفين، بقرار إعادة هيكلة جزئية في المؤسسة ليصبح أحد الموظفين الأقل مرتبة منه والناقمين عليه مديره المباشر، هذا التغيير المفاجئ كان له وقع الصدمة البالغة عليه، وكانت له تبعاته من تحطيم نفسي وإهانة علنية، ولم يستمر أكثر من أيام حتى قدم استقالته.
نعـود إلى صاحبنا: الأستاذ القديم الذي لم يكن يعرف – كما سبق القول- أنه صفع عالماً كبيراً، لكننا في مؤسساتنا نصفع من نعتقد أنه يعرف ويدرك ويحلل ويستنتج.
أمثال التلميذ جاوس، هم المصفوعـون دوماً لأن معركتهم مع الصافعـين هي معركة دائمة ودائبة. معركتنا في الإدارة هي بين الجهل والحضارة، ولن ننتصر قبل أن ينتصر المصفوع على الصافع.