جاء من جرود الريف حاملاً ماء الثلج في روحه وبين جوانحه، تفاصيل على أشجار دير عطية ورملها، كان نبتاً مباركاً وجميلاً، وكان إنساناً هادئاً وثائراً، في صوته هدوء، وفي ريشته قسوة، وفي صورته إبداع، كان هادئاً في حركته لأنه لا يمشي إلا على أرض ثابتة جداً، جاء من المحيط ليصبح مركز الدائرة ، وليكون بصمته وهدوئه مثيراً للإبداع والجدل من أول قصة كتبها.
وليد معماري قاصاً
كان وليد معماري قاصاً متميزا في فكره وسرده وطريقة صياغته، ومما لاشك فيه أن معماري الذي بدأ قاصاً من الحزن في أحزانه الصغيرة، بلغ المدى في قصته (حكاية الرجل الذي رفسه البغل) وهو أحد أهم كتاب القصة في السبعينيات من القرن العشرين.
فمع بداية السبعينيات بدأ وليد معماري نشر قصصه ومجموعاته القصصية، وأخذ اسمه يسطع في عالم القصة، وكانت حوله حركة نقدية مهمة، لأنه صوت متفرد بين القاصين، حكاياته مختلفة، وأشخاصه يدورون بيننا، يتحركون معنا، وإن كانت حياتهم ملونة بشيء من الغرابة التي أرادها وليد معماري بالمفارقة التي بنى عليها حياته وقصصه، وأطرف ما في وليد معماري أنه لم يكن يتحدث عن نفسه وعن قصته وعن أدبه ، ويترك نصه هو الذي يتحدث عنه ، وإن شارك في أي مسابقة فإنه يرسل قصته التي يكتبها دون أي ترتيب مسبق، ويفوز بالجائزة، كما فاز في جائزة مجلة العربي الكويتية حين شارك بقصته (حكاية الرجل الذي رفسه البغل) ونشرت القصة في كتاب خاص صادر عن مجلة العربي…
ومن سمات وليد معماري التواضع الكبير، واحترام الآخرين، وقد شاركت معه في عدد من الأمسيات في المراكز الثقافية البعيدة، ولم أكن ، وأنا الغرّ، أصدق أن وليد معماري سيشارك في هذا النشاط ، ولكنه يتقدم إلى المنبر، ويلقي قصته، ويقابل الجمهور ويناقشه كما لو أنه يكتب القصة أول مرة في حياته..
وكان لوليد سيارة ذات صفات خاصة، فلا يخرج من المركز إلا بعد أن يسأل الجميع، إن كان من أحد على طريقه، وقد تفضّل في مرات كثيرة على نقلي معه من الأطراف إلى مكان قريب من منزله في مسبق الصنع، وكان كثيراً ما يحاول أن يوصل كل زميل إلى منزله.. هذا ما كان يفعله وهو وليد معماري القاص المعروف والحائز على الجوائز، وبقي الكاتب الوفي لأدبه وشخصه وطبيعته الطيبة.
الصحافي المميز
مساء الجمعة رحل وليد معماري عن دنيانا مخلفاً اسماً طيباً، وأول ما قرأت ما كتبه صديقه حسن م.يوسف: وليد معماري يغير عنوانه، وحسن من الذين عاشوا مع وليد في رحلته الصحفية، وهنا أتذكر المرحلة التي كنا فيها طلبة وننتظر نداء بائع الصحف في الجامعة، وفي اليوم المخصص لوليد معماري في زاوية (قوس قزح) كان مختلفاً، فالجميع يفتح الصفحة الأخيرة ليقرأ ما كتبه وليد من زاوية تتناول هموم الناس في الثمانينيات عندما كانت سورية تتعرض لحصار وضغوط، وفقد للمواد الأساسية اللازمة للحياة، وقد كانت تلك الفترة مشابهة إلى حد كبير لما يجري اليوم على الأرض السورية ، وكانت زوايا وليد معماري من أكثر الزوايا قراءة ومنطقية وقسوة وسخرية، وعلى الرغم من التزامه بهذه الزاوية، وعدم تخلفه عن رصد الظواهر ونقدها وكتابتها، لم يحاول وليد معماري أن يجعل نفسه بطلاً على حساب آلام الناس، بل كان يعاني كما يعانون، ولم يسمع واحد منا أن وليد معماري أفاد مما كتبه، بل كان يمارس مهنته الصحفية والأدبية والإنسانية بكل منطقية وجرأة وحب للإنسان والوطن، وما يزال الناس يذكرون زواياه على أنها الجميلة والمؤثرة، ومنذ التزامه بالعمل الصحفي في جريدة تشرين عام 1976 حرص وليد معماري على ممارسة عمله الصحفي الناقد، إضافة إلى كتابة المقالات والدراسات سواء لصحيفة تشرين أم لصحف عربية أخرى حرصت على استقبال دراساته وطلبها.
معماري وأدب الطفل
شأنه شأن الكبار من الكتاب الذي مروا في تاريخ سورية وصحافتها، التفت وليد معماري للطفل، واستطاع أن يترك أثراً، وأن يكتب أدباً لائقاً للطفل، وأن يوقع باسمه للطفولة في نصوص من الأهمية بمكان، وكان ذلك في تواصله مع الدوريات الخاصة بالطفولة، وكذلك في كتابة القصة للطفل في دوريات ملونة، وفي مجموعات قصصية خاصة صدرت في حينها، فعزز أمرين: أولهما مهارته في الكتابة للطفل والتعبير له وعنه ، وهذا أمر صعب للغاية، لا يتقنه سوى عدد قليل من الكتاب الذين احترموا الطفولة ، وعرفوا حاجاتها، ووليد من هؤلاء، وثانيها أن وليد الرجل الكبير أجاد استخراج طفولته الملازمة له، وممارسة هذه الطفولة على مساحات من الورق، ليستعيد ما افتقده من أحاسيس الطفولة، فكان ذلك الطفل الذي يتنقل بيننا، وأدب الطفولة من الصعوبة بمكان لذلك وقفت عنده، لأن الذين نجحوا في الكتابة للطفل قلة من الكتاب، وهو أصعب أنواع الكتابة، فكراً ولغة ومضموناً، ووليد معماري نجح أيما نجاح في دخول عالم الطفل والحياة فيه، حتى يظن الآخرون أن وليد معماري لم يكتب لغير الطفل، ولم يأت وليد إلى قصص الأطفال وأدبهم في مرحلة متأخرة ، بل كانت بداياته ملونة بأدب الطفل ، ما عزز الإيمان بإخلاصه للطفولة (شجرة السنديان) 1976- أحلام الصياد الكسول 1977- درس مفيد 1985- العجوز والشاب 1988- مسرحية الصياد والملك 1994- مغارة الأسرار 1995- وهذه الأعمال القصصية والمسرحية تثبت أن الطفل كان في صلب اهتمامات وليد معماري، ولم يكن للتجريب وليس موضوعاً طارئاً لمسابقة أو مجاراة لأمر ما.
وإذا ما قرأنا قصص وأعمال وليد معماري للأطفال، فإننا سنقف أمام عقل استوعب الطفل وتحدث باسمه، ولم يعمل يوماً للقصة الواعظة المتعالية التي تحاول أن تعطي الحكمة للأطفال، فكانت أعماله دروساً يقدمها الطفل للطفل بكل حيوية وحياة.
وأخيراً
ها هو وليد معماري يلملم أوراقه ويغادر بكل حب واحترام، عاش حياته منسجماً مع قناعاته ومبادئه، لم يتغير في يوم من الأيام، وحين كُسِرَ قوسه آثر البقاء في مكان تمترس فيه ونبت منه ومنحه ثمانين عاماً من حياة وإبداع.
رحل رجل من الصعب أن تجود الصحافة بمثل وضوحه وصدقه، ومن الصعب أن يصل إلى ساحة الأدب من هو في منزلته وشخصه.. وداعاً أبا خالد.. وقد أودعتنا ما جادت به قريحتك.. وحملت ما عجزت عن قوله.
السيرة الذاتية للأديب والصحفي الراحل وليد معماري
– مواليد دير عطية 1941.
– إجازة (ليسانس) في الفلسفة وعلم الاجتماع من جامعة دمشق 1970.
– بدأ العمل في صحيفة تشرين عام 1976.
– كتب ما يزيد على 3 آلاف زاوية صحفية ناقدة، وجريئة، وساخرة، في زاوية (قوس قزح)، في الصفحة الأخيرة بصحيفة تشرين.. حظيت بشعبية واسعة.
– كتب مئات المقالات في صحف ومجلات عربية.
■ الأعمال الأدبية المطبوعة:
– أحزان صغيرة – مجموعة قصص – 1971.
– اشتياق لأجل مدينة مسافرة – مجموعة قصص – وزارة الثقافة – 1976.
– شجرة السنديان – مجموعة قصصية للأطفال – وزارة الثقافة – 1976.
– أحلام الصياد الكسول – مجموعة قصصية للأطفال – وزارة الثقافة – 1977.
– دوائر الدم – مجموعة قصص – اتحاد الكتاب العرب – 1980.
– زهرة الصخور البرية – مجموعة قصص – المنشأة العامة للطباعة (ليبيا) – 1981.
– حكاية الرجل الذي رفسه البغل – دار الأهالي – 1984 – 1985 (طبعتان).
– مقدمة للحب – نصوص – مكتبة ميسلون – 1985.
درس مفيد – للأطفال – منشورات مجلة أسامة – 1985.
العجوز والشاب – للأطفال – منشورات مجلة أسامة – 1988.
تحت خط المطر – مجموعة قصص – دار الينابيع – 1989.
دمشق المعاصرة والتاريخ – كتاب شامل – 600 صفحة – 1990.
وردة الكسور – مجموعة قصص – دار الطليعة الجديدة – 1998.
أختي فوق الشجرة – مجموعة قصص – اتحاد الكتاب العرب – 2007.
■ أعمال مسرحية:
– شاي بالنعناع – مُسرحت عام 1991.
– الصياد والملك – للأطفال – مسرح الطفل – وزارة الثقافة – 1994.
– مغارة الأسرار – للأطفال – قُدمت باسم (الشاطر حسن) – حمص – 1995.
■ سينما- تلفزيون- إذاعة:
– شيء ما يحترق (فيلم طويل) – المؤسسة العامة للسينما – 1994.
– الزائرة – التلفزيون السوري – 1995.
– عطيني إدنك – برنامج إذاعي يومي صباحي ساخر – إذاعة دمشق – 300 حلقة.
■ الجوائز:
– الجائزة الأولى في مسابقة اتحاد الكتاب الخاص بأعضاء الاتحاد – 1979.
– الجائزة الأولى في مسابقة مجلة العربي الكويتية 1996.
– جائزة صحيفة السفير اللبنانية 2004.
■ الترجمات:
– ترجمت بعض أعماله إلى اللغات: الروسية- الإنكليزية- الفرنسية- الإسبانية- الألبانية.