دفعني لكتابة هذا المقال مقطع فيديو وصلني من مسرحية للفنان الكبير دريد لحام ظهرت فيه الفنانة المتألقة صباح جزائري تتحدث عن معاناة الناس بسبب الكهرباء، وهذه المسرحية كانت بسبعينيات أو ثمانينيات القرن الماضي.
يبدو أن أزمة الكهرباء متجذرة لدينا لدرجة أنها أصبحت مستعصية وتتعمق يوماً بعد يوم، رغم أن الجميع يدرك أن الكهرباء هي عصب الحياة وبدونها نعود إلى القرون الماضية وتتوقف عجلة الاقتصاد والتطور والتنمية.
في تسعينات القرن الماضي تعرضنا لأزمة كهرباء حادة بسبب نقص في التوليد، وأذكر وقتها أن الصندوق الكويتي قام بتمويل مشاريع توليد الكهرباء في سورية، وفعلاً تمت إقامة عدة محطات توليد غطت النقص الحاصل في توليد الطاقة الكهربائية.
لكن للأسف لم يحظ قطاع الكهرباء بالاهتمام اللازمة من الحكومات المتعاقبة، وبقي دون رؤية إستراتيجية تعطيه الأولوية بعد المياه، فإذا كانت المياه هي الحياة فالكهرباء هي عصب الحياة، وكان على الدولة أن تضع هذين القطاعين في أول سلم الأولويات ، وأن ترصد لهما الاعتمادات اللازمة لمشاريع التوليد والشبكات ومراكز التحويل، ولو اقتضى الأمر الاستغناء عن الكثير من المشاريع الاستثمارية غير الحيوية…
إن تحقيق الأهداف بكل أشكالها يتطلب وضع السياسات والبرامج القابلة للتنفيذ وفق الإمكانات المتاحة، وإن تحديد الأولوية يؤدي إلى عدم تبديد الأهداف المنشودة، فإقامة مشروع له ضرورة عاجلة قبل مشروع ليس ملحاً ومستعجلاً يؤدي إلى تحقيق الأهداف بشكل متوازن ضمن الإمكانات المتاحة، وإن وضع أهداف لا يوجد إمكانات لتحقيقها أو تفوق الإمكانات المتاحة يؤدي إلى نتائج ضارة، وكذلك إصدار قانون في غير وقته يؤدي إلى ضياع الغاية من هذا القانون، فالأولوية يجب أن تدرس بعناية دون تعجل لتحقيق غايات إعلامية وسياسية، ويجب التريث بإقامة مشاريع يمكن تأجيلها لمصلحة متطلبات الإنفاق على المرافق المهمة وأولها المياه والكهرباء، وإن تحديد الأولويات يتطلب الاستعانة بأهل العلم والخبرة من رجال الدولة للاستفادة من الإمكانات المتاحة بأقصى منفعة.
إن أزمة الكهرباء تكاد تشل الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتضر بالدولة والمجتمع وتهدد بنيانها إن لم تتخذ التدابير الفورية والعاجلة لتأمين مستلزمات التوليد والتوزيع، وبالتأكيد فإن مشاريع الطاقة البديلة لن تغني عن منظومة الكهرباء العامة ومحطات التوليد، ويجب أن تكون هذه المشاريع مشاريع عامة رديفة تقوم بها وزارة الكهرباء، ولا يجوز بحال من الأحوال تركها لتجار ومستثمرين يستغلون حاجة الناس ويحققون أرباحاً خيالية.
علمت أن بعض الذين اقتنوا ألواح الطاقة البديلة ودفعوا الملايين بدؤوا يشكون من رداءة صنعها ورداءة البطاريات المزودة بها والتي تحتاج إلى تبديل كل سنة أو سنتين بكلفة من مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة، وذكرني ذلك بالسيارات الرديئة التي تم إدخالها إلى القطر عند فتح باب استيراد السيارات وتم دفع قيمتها بالقطع الأجنبي بأرقام كبيرة وأصبحت عبئاً على الاقتصاد الوطني لحاجتها إلى قطع غيار وإصلاح بشكل دائم.
وكنت قد نبهت عن ذلك بأكثر من مقال كتبته، لكن لا أحد يهتم بما نكتب وكأن تيار العولمة يأخذ كل ما نكتبه مع الرياح التي تهدد وجود الفقراء وذوي الدخل المحدود الذين يشكلون غالبية الشعب؟!