لطالما دفعت روسيا الرؤساء الأميركيين للتخبط والتوتر والازدواجية أيضاً، ازدواجية التصريحات تارة والتصرفات تارة أخرى، ليكون حال الرئيس الأميركي جو بايدن غير بعيد عمن سبقه من أسلافه، فهم يشعرون بالخطر والتهديد القادم من روسيا كقوة عظمى منافسة ويحاولون فهم سياساتها وتوجهاتها المستقبلية علهم يتخذون بعد الفهم، إجراءات تحمي مصالحهم وتردأ عنهم خطر تعاظم الاتحاد الروسي.
بعد التلويح بورقة احتمال توسع حلف الناتو إلى الشرق بضم أوكرانيا إليه ودعمه عسكرياً وتدفق التصريحات المؤيدة لهذه الخطوة في محاولة واضحة لقض مضجع موسكو وإثارة قلقها بحشود عسكرية محتملة على حدودها المتاخمة لكييف، جاءت التصريحات الأميركية التصالحية نوعاً ما، بعد قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره بايدن الافتراضية في السادس من كانون الأول الجاري على لسان الرئيس الأميركي بأنه «لم يفكر أبداً» في إرسال قوات لدعم كييف، مستبعداً بذلك بشكل صريح استخدام القوة العسكرية لدعم أوكرانيا حيث كرر موقفه هذا في محادثته مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بعد القمة.
أما بالنسبة للعلاقات الروسية مع الدول الأوروبية، فيبدو أن التهدئة والسعي لاتخاذ خطوات بناءة مع موسكو هو التيار المسيطر على الأوضاع في الآونة الأخيرة، حيث قال الباحث الأول في معهد الاتجاهات العالمية «بوتسدام» ألكسندر راهر حول السياسة التي ستنتهجها برلين تجاه روسيا بعد بدء الحكومة الألمانية الجديدة العمل برئاسة المستشار أولاف شولتز: «إذا كانت هناك فرص لإجراء حوار بناء أو طرح موضوعات جديدة تسمح بالسير إلى الأمام وليس إلى الخلف، فستكون ألمانيا في صدارة هذا القطار المتجه نحو روسيا»، فالألمان الآن يرون فرصة كبيرة بتحسين العلاقات والتعاون مع موسكو، حيث سيلتقي الرئيس بوتين بقادة رجال الأعمال الألمان، ويعد لقاء بالغ الأهمية إذ يظهر أن الألمان شركاء مهمون جداً بالنسبة له حسب الصحيفة الروسية «أوراسيا إكسبرت».
وبالعودة إلى التوتر المتعاظم تارة والمنخفض أخرى، بين روسيا وأوكرانيا، نجد أن الأخيرة قد تبقى وحيدة في مواجهة موسكو، فعليها قراءة الإشارات الدبلوماسية التي تصلها من جميع أنحاء العالم بشكل صحيح، وأن تأخذ بعين الاعتبار أن الغرب لن يدافع عنها أو يقف إلى جانبها في نزاع عسكري ضد روسيا، بل سيتخلى عنها كما كان الحال دائماً عند أول طلقة بين البلدين لتكون النهاية المتوقعة لكييف إذا قامت بغزو «الدونباس» محاكاة جديدة لسيناريو 2008 الجورجي.