رسائل الدكتورة العطار للرئيس حافظ الأسد «من ذكريات الأيام المواضي» سيرة ثقافية سياسية … د. العطار للرئيس بشار الأسد: كلماتنا تصغر أمام سمو كفاحك وشموخ الجليل من تضحياتك وأعمالك
| إسماعيل مروة
شاهدة على نهضة سورية لنصف قرن من الزمن، بدأتها مع النهوض، صمدت إلى جانب سورية حين تكالبت المؤامرات عليها، وخرجت بإخلاصها وتفانيها مع سورية المعافاة الناهضة، وقاومت مع السوريين، ووقفت مواقف مشرفة إلى جانب القائد بشار الأسد ومواقفه في مواجهة الحرب الكونية، لأنها كانت على إيمان بانتصار سورية ومواقفها ورؤى قائدها.. وهي الأديبة والسياسية والمنتمية، صاحبة الأدب الرفيع الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية.. واليوم تؤثر الدكتورة العطار أن تنحي نفسها جانباً، وألا تكتب سيرتها وجليل أعمالها، بل فضّلت أن تضع الوثيقة (الرسالة) وهي كتب رسمية رفعتها إلى الرئيس الراحل حافظ الأسد، لتكون الأمور كلها بين يديه ساعة بساعة، فكان هذا الكتاب المرجعي الهام والضروري، والذي يحمل قيمة توثيقية نادرة (من ذكريات الأيام المواضي ورؤى التغيير) وقد أمتعني هذا الكتاب، وسألت نفسي هل يحتفظ مسؤولونا ووزراؤنا بمثل هذه المراسلات الدقيقة؟ ألا يمكن أن تشكل هذه الرسائل منهج عمل؟ ألا تعطي صورة عن آلية عمل دقيقة ورسمية في أكبر القضايا، وفي دقائق الأمور؟ من أمور جوهرية كبرى، إلى مشاركة في تشييع أديب، إلى معالجة أديب من الأدباء؟ ألا نجد أسماء قدّم لها الرئيس الخالد نيابة عن سورية، وجاء من تنكّر لكل ما حدث، وعدّ ذلك من الواجب! ولم يعدّ انتماءه لوطنه واجباً؟!
الأيام والتغيير
العنوان يحمل قسمين ومعنيين وغايتين، الأولى ذكريات الأيام المواضي، والتي تثبت فيها الدكتورة العطار رسائلها الموجودة، والتي استطاعت الاحتفاظ بها، مؤرخة ومسلسلة، للسيد الرئيس حافظ الأسد، من موقعها وزيرة للثقافة، وبمتابعة دائمة لكل قضية مهما صغرت، فكانت الوزير الذي يملك الرؤية، لكنه يستوضح الأمر، ويبسط القول مع الرئيس ليأخذ موقفاً أو يقوم بأمر ينسجم مع البرنامج السياسي العام للدولة (وأهم مثال على ذلك قيامها في أثناء الحرب العراقية الإيرانية بزيارة البحرين والمشاركة في أيام الثقافة السورية، والمحطة التي كانت في قطر، ومن ثم مجريات الأيام واللقاءات في البحرين، الرسمية والنسوية الهامشية، وفي كل ذلك كانت الدكتورة العطار تنقل بالحرف وتشير، لعلّ موقفها وحوارها وزيارتها لا يخرج عن الإطار العام للسياسة السورية، وربما تحمل هذه الأقوال واللقاءات ما يوحي برسائل أو ما شابه) والغاية الثانية رؤى التغيير، وقد أشارت د. العطار من البداية إلى النهضة السورية، ما كانت عليه وما صارت إليه، ولأنها تدوّن المراسلات الدورية والمطلوبة مع السيد الرئيس، فإنها في الوقت نفسه ترصد رؤاه، وتوجيهاته، وبرامجه، وغايتها كلها التغيير والتطوير في سورية التي لم تشأ أن تقف في مكانها، ولعلنا لا نغالي بالقول: إن براعة يراع الدكتورة العطار تجعلنا نقف لاستخلاص رؤى التغيير والتوجيهات والسياسة العامة، إذ نقف أمام طروحات أقل ما يقال عنها: سياسية، فهي مع وزراء ثقافة وإعلام, وتتناول علاقات دول في الشرق والغرب، وبمنتهى الحكمة تتعامل الدكتورة العطار حين تطلب إذناً أو تعرض أمراً، فهي وزيرة ثقافة آنذاك، وجزء مهم من مكونات الدولة السورية، وما من أمر يمكن أن يفعله مسؤول ويضعه تحت بند التصرف الشخصي، وذلك خلال وجوده في موقعه، بل وبعد خروجه كذلك، وفي مثل هذا الكتاب يتزود القارئ بالكثير من أصول التعامل السياسي والحكومي والثقافي، ومن الفائدة بمكان أن تصدر هذه المراسلات لتشكل سيرة ثقافية سياسية للدكتورة العطار وسورية، وموثق عمل لمنهج الرئاسة السورية في التعامل والمراسلات التي لا تتخلى عن الدقائق، ومتابعة التفاصيل، ويجد الواحد منا أن عدداً غير قليل من كتب الوزيرة للرئاسة كانت إجابات عن أمور سئلت عنها، ويستوجب الأمر أن تعطي صورة واضحة بخصوصها.
شؤون الأدباء
ما يلفت الانتباه عند القيادات السياسية، ويحدد معيار احترامها للمجتمع اهتمامها بالمثقفين والأدباء الذين يشكلون منارات في الحياة الثقافية، وسورية في عهد الرئيس حافظ الأسد عملت كثيراً من أجل الأدباء والمثقفين، وهذه العناية مستمرة وبوتيرة أعلى اليوم في عهد الرئيس بشار الأسد، ولا أحد يمكن أن ينكر تكريمه للرحابنة وعاصي الرحباني، وقد ذكر ذلك وشكره منصور الرحباني في مجلة العربي الكويتية، وكذلك كان الأمر مع عدد من المبدعين الذين حظوا باهتمام الرئيس الأسد، خاصة في مراحل العلاج والمرض، دون النظر إلى مواقفهم السياسية التي قد تتفق أو تختلف مع القيادة السياسية، وما قام به الرئيس الأسد عام 1998 في أيام نزار قباني الأخيرة كان معروفاً، حين خصص طائرة لنقل جثمان عاشق دمشق إلى دمشق، وهناك مواقف قد لا يعرفها كثيرون، وربما حاول المعنيون فيها طمسها، لكن مثل هذا الكتاب، وهذه الرسائل الرسمية تكشف الأمور وتوضحها، وتضعها بين يدي القارئ، وقد تهيأ للمثقفين والكتاب من يتحدث بأسمائهم، ومن يوصل شكواهم، فكانت رعاية السيد الرئيس مباشرة، وها هي الدكتورة العطار تذكرها شهادة للتاريخ والأيام المواضي، وإنصافاً لسيرة الرئيس الذي أولاهم رعايته على الرغم من المشكلات والانشغالات الكثيرة لسيادته:
– ميخائيل نعيمة والمثقف العربي، يمثل ميخائيل نعيمة صاحب همس الجفون، الغربال، جبران، الكثير للثقافة العربية المعاصرة والحديث، فهو الأديب المهجري والمقيم، وهو المتحدث بالإنكليزية والروسية، وهو رسول ثقافة عربية أحبها وحرص عليها ونقلها، وها هو يرحل عن دنيانا في عز الحرب الأهلية في لبنان، وحين طلبت الدكتورة العطار أن تشارك في مراسمه في بسكنتا في لبنان أعطى سيادته الموافقة لتكريم هذا الأديب الكبير، لتكون سورية شاهدة ومكرمة للأديب الكبير وسيرته، ومن أعلى شخصية ثقافية سورية مسؤولة وذلك عام 1988، وبعد أن تصور الدكتورة العطار الطريق والعقبات، وما حال بينها وبين الكنيسة التي فيها جسد نعيمة على بعد أمتار، ما منع المشاركة 1988، يأتي وفد من آل نعيمة إلى دمشق حاملين شكرهم ورسالة – أثبتت د. العطار صورتها- من رئيس وزراء لبنان الدكتور سليم الحص. «في ختام الزيارة رجا أن نبلغ السيد الرئيس شكرهم اللا محدود، وتقديرهم الكبير الكبير، وحبهم وعرفانهم له، لكريم ما صنع، وباسمهم وباسم كل الذين شاركوا في مأتم نعيمة، يرجون أن يغفر هذا الذي جرى ولم تكن لهم فيه يد».
ورسالة د. الحص تقول: «شكراً لك على بادرتك الكريمة في القدوم إلى لبنان للمشاركة في تشييع الأديب اللبناني العربي الكبير ميخائيل نعيمة، وشكراً لسيادة الرئيس حافظ الأسد على تفضله بتكليفك تمثيله في مواساة لبنان في مصابه».
– سعد الله ونوس وآخرون في سورية مهما اختلفت التفسيرات والأقوال، فإن سعد الله ونوس واحد من أكبر مبدعي المسرح في سورية والعالم العربي، وقد سمعت من مقربين ادعاء التقصير في حقه، أو ادعاء أن الدولة قامت بواجبها، مع أن هذا واجبها تجاه مواطنيها كافة، وفي هذا الكتاب تكشف الرسائل أن السيدة الوزيرة كانت تتابع حالة الكاتب الكبير، وتضع السيد الرئيس في صورتها، حتى في أدق التفاصيل والأرقام والحاجات ولنقرأ ما كتبته وزيرة الثقافة يومها «تفضلت في السابق وأوفدت منذ سنتين السيد سعد الله ونوس للعلاج في فرنسا على حساب القصر وبعد العلاج عاد لحياته الطبيعية.. يبدو أن المرض قد عاوده من جديد في شبهة غير مؤكدة في الكبد، وهو يرجو أن يوفد ثانية للعلاج كالسابق لمدة شهرين».
– وبشأن الأدباء السوريين «السيدة.. كاتبة معروفة، أجريت لها عملية كلفتها كل ما معها، ولم تكلل بالنجاح، واضطرت لدخول مشفى الشامي.. رئيسنا هو ملاذنا، وألمحت بهذه الفكرة للسيدة المريضة، فسال دمع صامت على وجهها».
– وبلفتة لا يدري صاحبها تكتب للسيد الرئيس «د. صلاح الأحمد- يتمنى وقد شملته برعايتك- أن تتاح له الفرصة كي يذهب إلى باريس ليعمل في مركزنا الثقافي.. أكتب هذه الرسالة بكثير من السرية، ولن يعرف هو أو أهله أو أي إنسان، وسيكون لهذا الأمر وقعه الكبير».
– صلحي الوادي موسيقي حقيقي، عمل بجدية غير مألوفة منذ بداية الستينيات.. أقترح منح السيد صلحي الوادي وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، فأنت صاحب المكرمات كلها».
والقائمة تطول والرسائل كثيرة التي تدل على رعاية القيادة السياسية للأدباء والمثقفين، خاصة إن كان هناك من يعمل على تسليط الضوء.
الصروح والنشاطات والمتابعة
تكشف هذه المراسلات والكتب بين الدكتورة العطار والرئيس الأسد آليات التعامل والتعاطي في كل شأن من الشؤون، فالاقتراح يرفع، أو الكتاب يجيب عن سؤال، ويقدم مقترحاً، أو أن يكون من التصور والخطط التي رأت أن تضع الرئيس في أجوائها لتسترشد بتوجيهاته ورأيه، وأذكر لذلك أمثلة عديدة من الميدان الثقافي الداخلي والخارجي، لنتعرف أهمية هذه الكتب ونشرها:
– السيد الرئيس: جواباً على سؤال هام طرحته، يقول الفنيون: إن عملية السير في إنجاز مبنى المعاهد في مشروع المسرح القومي لا يؤثر من الناحية الفنية، على متابعة العمل في الكتلة الرئيسية للمسرح والعكس صحيح.
– شكر جزيل لاهتمامك بموضوع معهد العالم العربي.. تدفع الأقطار العربية حصتها حسب مبدأ النصاب المعمول به.
– العمل في المعجم. العمل في الموسوعة.. الزمن يمضي، والحصيلة ضئيلة، والمستوى ليس على ما نحب.
– إن مشاركتنا في مهرجان القاهرة، ستكون موضع استغلال بغير شك ضمن الوضع العربي الراهن، لذلك أتحفظ وأنتظر توجيهكم الكريم.
– أرجو ألا يظل مجمع اللغة العربية في الظل، وأن يعاود فيه النظر حتى يتمكن من ممارسة دوره، وأنت وحدك من يستطيع أن يردّ إليه بهاءه، ويخلصه من وضعه البائس.
– يلاحظون بشكل عام أن أسهم سورية ترتفع أمام الرأي العام العالمي، يوماً بعد يوم.
إن هذه المقاطع تعطي صورة متكاملة عن العمل الثقافي والسياسي الذي كانت تنتهجه السيدة الدكتورة نجاح العطار في دولة المؤسسات، فهي تقدم ملاحظات ورؤى، وتجيب دون إبطاء عن القضايا المطروحة، وتعتني بكل ملاحظة تقف أمامها في أثناء عملها وجولاتها وزياراتها.
إن الوقوف عند كل رسالة أمر صعب للغاية، ولكن الإشارات تكفي، سواء كان ذلك في متابعة أمور مهرجان السينما في دمشق أم في متابعة مهرجان المسرح ، وكذلك في متابعة إنجاز مبنى دار الأسد للثقافة والفنون (دار الأوبرا) أو كتلة المعاهد التعليمية المجاورة.. ومما يجدر أن نقف عنده، تلك العلاقة الوطيدة والمحترمة بين الدكتورة العطار وشخصيات ثقافية وسياسية عالية المستوى، ودور الدكتورة في نقل أمنياتهم ورغباتهم للسيد الرئيس مثل الأخضر الإبراهيمي، ورغبته أن يقضي شهر رمضان في دمشق التي يحبها.. وفي كل مؤشر أو لقاء أو مهرجان كانت تنقل انطباعاتها ومشاعرها، وما تراه من أمور تهم سورية عامة، وتنتظر التوجيه للتعامل خاصة خارج سورية.. إضافة إلى الرسائل المعبرة التي تتناول القامات السورية وتكريمها والحديث عنها، كما كان في وفاة الشاعر السوري الكبير عمر أبو ريشة، والمشاركة في تشييعه وتكريمه.
ويلفت الانتباه أن كل الكتابات والرسائل المتعلقة بالموازنات والقضايا المالية كانت مشفوعة بأرقام دقيقة، ليكون السيد الرئيس في صورة الأمر قبل اعتماده واتخاذ قرار.
إن هذه الرسائل تمثل نموذجاً للمتابعة اليومية العارفة التي تهدف إلى رفع مستوى العمل الثقافي والمؤسسي.
وأخيراً
«من ذكريات الأيام المواضي» ليس كتاباً يجمع مقالات وذكريات، بل هو منهج عمل لا يستغني عنه المعني بالشأن الثقافي والسوري، وندرك من خلاله الإخلاص في الانتماء إلى الوطن، مهما عصفت به رياح الحروب والتآمر من الداخل والخارج، وقد يكون نشر الرسائل الأخرى الموجهة للسيد الرئيس بشار الأسد مفيداً للغاية في ظل الظروف التي تعيشها سورية العزيزة بقلم محب لسورية وثقافتها وحضارتها.