نادية شومان بعمر الـ95 أسست عائلة من الأدباء … غنّت للحياة والوجع ونالت جائزة خير الدين الأسدي
| جورج إبراهيم شويط
قامة أدبية رفيعة آتية من زمن الياسمين، وعلى كتفها البحري ثمّة شالٌ من حرير، طرّزته موجاتُ البطرني بـ95 خيطاً من ذهبِ الكلام.
فأي كلمات ستحرّض ذاكرةَ أديبةٍ روائية، مازالت في كامل أناقةِ روحها التي عبرتها 95 ربيعاً وخريفاً وشتاءً عاصفاً من حزن وفرح وألم ودهشة؟
هي التي تعيش صمتَها الجليل كزاهدٍ ناسك، يحرس معبدَ (الحكايات)..
ماذا تقول عن خلاصة تجربتها في الحياة والكتابة والإبداع والأمومة والحزن وما تعنيه لها ثنائية الحياة والموت في رحلة البشر على هذا الكوكب؟
استهوتها الكتابة وهي في سن الـ 13 فكتبت أولى محاولاتها في الشعر، وكتبتْ قصصاً قصيرة، وشدّتها الفرنسية كلغة رشيقة ممتعة بمفرداتها.
أما حميمية الجو الثقافي ومكتبة الأسرة الغنية بالكتب المتنوعة والمليئة بالعناوين المهمة فقد أغرتها للسباحة بين طياتها، وجعلتها تتنسك في غرفتها، لتنهلَ من هذا النبع الثري، المتدفق شعراً وروايات وقصصاً، ما جعل خيالاتها تحلّق وتحلّق في دنيا من الصور المدهشة، التي دفعتْ أناملها لتخط الشعرَ والقصصَ، ومن بعدها الروايات.
أبحرتْ في عوالم أناتول فرانس، وتولستوي، وإميل زولا، وهوغو، مثلما غاصتْ في أعمال إحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ، وجبران، وتوفيق الحكيم، ويوسف السباعي، ولم تتوقف عن الاستزادة من هذا العالم المدهش، الذي فُتحت لها بوّاباته نحو أفق رحب من الكلمة، بل استقت الصورة والمشهد والقصة بدرامياتها المعروضة على الشاشة الكبيرة، من خلال حضورها لأفلام كانت تُعرض في صالات مدينتها البحرية، وكانت تأتي بأروع وأحدث الأفلام، التي كانت تَعبُر البحارَ من شواطئ هوليود الأميركية، وبوليود (الهندية) أو هوليود العرب مصر، التي كانت في أوج عطاءاتها الفنية.
كرّست رواياتِها لتوثيق ذاكرة المدينة وهويتها وحياتها اليومية، كما أنها استقت العديد من شخصياتها من محيطها الاجتماعي، الذي عاشت في ظهرانيه.
نشرت أعمالها في عدة مجلات نسائية منها (مجلة دنيا المرأة)
تقول الروائية نادية شومان: (الكتابة بالنسبة لي حلم ومتعة ذاتية، لا يشعر بها إلا من عاش تفاصيلَ هندسته وغاص في بحيرةٍ من خيال وحلم وكلمات. الرواية عالم كامل ساحر، حياة، وشخوص، وأماكن، وأزمنة، وخطوط من الأحداث والصراعات، ومقولات، وخلاصات، وطرح لرؤى وقضايا وحلول، وخلطة فيها من المتعة لكاتبها ولقارئها في ذات الوقت).
ومثلما وهبت الروائية شومان القارئَ العربي رواياتٍ وقصصاً، كذلك كان لها الفضلُ في جذب أبنائها لسحر الكلمة فكان منهم الطبيب/ الروائي ماهر منزلجي، المغترب في بريطانيا منذ بداية السبعينيات، والمهندسة الصحفية/ الشاعرة ندى منزلجي، المغتربة في بريطانيا، والمهندس/ القاص والقائد الكشفي رامي منزلجي.
وقد زادت من غنى تجربتها (نعمةُ السفر)، والترحال في بلادٍ ومدن عديدة، منها مصر الكنانة، وباريس، ولندن، وبيروت وأميركا.. هذا الفضاء رسم لها أفقاً آخرَ في مضامين كتاباتها، التي اغتنتْ منها، فوق غنى تجربتها في مدينتها اللاذقية، التي تدفق بحرُها وتاريخُها ومجتمعُها عبر آلاف السنين في شرايين يراعها الذي تألق وأبدع.
اللاذقية بالنسبة لها هي طفولتها، والأرجوحة التي كانت تُنصب لهم في البساتين أثناء النزهات و(السَيَارين)، وحميمية الطبيعة، من بحر وحواكير وحقول وحارات وقناطر حجرية عتيقة وكنائس وجوامع، حين كانت اللاذقية مجرد قرية كبيرة جميلة، اللاذقية بالنسبة لها مرحُ الصغار، وهناءة الكبار وسعادتهم في علاقاتهم، والتي تسودها المحبة والطيبة وروعة (الجيرة)، والعلاقات الاجتماعية وطقوسها المحببة في كل الفصول أو الأعياد أو المواسم الرمضانية. حتى اللباس كان له سحرُه في الذاكرة، رغم بساطته على أجساد النساء أو الأطفال أو الرجال، الذين كانوا يعتمرون في ذلك الزمن الطربوشَ الأحمر.
وهي مع فكرة أن تتحوّل الأعمال الروائية إلى الشاشة من خلال دراما دسمة، لأن الرواية الأدبية، كانت وما زالت داعماً فكرياً واجتماعياً للمسلسلات أو الأفلام السينمائية، والأمثلة كثيرة، من نجيب محفوظ إلى إحسان عبد القدوس إلى توفيق الحكيم إلى يوسف إدريس وسواهم، وهي حكماً تزيد الأديب انتشاراً وجماهيريةً.
وعلى ضفةٍ أخرى، فكما كانت الحياة تفتح ذراعيها لها لتضمّها بسعادة، كذلك الحياة ذاتها أوجعتها برحيل ابنتها الصبية التي اختطفها المرض والموت ورحيل زوجها بعد حادث ومعاناة.
تضيف التي مازال ألق حديثها يضيء الحوار: أشعر برضى اللـه عليّ، لأنه أعطاني الحياة والسعادة، ومثل السعادة ثمة محطاتٌ من الحزن. وعظمة الخالق تتجلى في تضميده لجراح الحزانى. أخاف الموت لأنه مجهول، ولا أحد يعرف متى تأتي ساعته. أنه دخول إلى عالم الغيب. أتمنى ميتة مستورة هادئة، وأن أبقى بصحتي حتى اليوم الأخير.
نالت الأديبة شومان عدة تكريمات وجوائز، آخرها جائزة (خير الدين الأسدي) عام 2020 عن روايتها (خطا كُتبت علينا) برعاية جمعية العاديات وفرعها في كندا، كما تم تكريمها في اليوم العالمي للمرأة.
صدر لها:
زمن الياسمين- رواية
خُطا كُتِبت علينا – رواية
بقايا الهشيم – رواية
شال حرير في مهبِّ الريح- رواية
إضافة للعديد من الترجمات لقصص وروايات عن الأدب الفرنسي