دخل العراق في الخامس من كانون الأول الجاري، جولة جديدة من النزاع على النتائج الانتخابية النيابية المبكرة، حينما تقدم تحالف الفتح برئاسة هادي العامري بعدة دعاوى قضائية إلى المحكمة الاتحادية العليا بشأن النتائج الانتخابية، معزّزة بالوثائق والأدلة، بعضها قُدم سابقاً إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وكذلك الهيئة القضائية الانتخابية، ولم يتم الأخذ بها، متّهمة مفوضية الانتخابات «بعدم الالتزام بإجراءاتها وارتكبت مجموعة مخالفات»، مرتكزة في شكواها إلى تقرير الشركة الألمانية الفاحصة لأجهزة التصويت (هنسولدت) المشكك بدقة أداء بعض الأجهزة والبرمجيات المستخدمة، إلا أن المحكمة الاتحادية أجّلت النظر في الدعاوى إلى الثالث عشر من الشهر ذاته، ومن ثم إلى الثاني والعشرين منه، من أجل الاستعانة بخبراء لمتابعة تفاصيل تقرير الشركة الألمانية الفاحصة للأجهزة.
كذلك، أعلن ائتلاف الوطنية برئاسة أياد علاوي في بيان له في التاسع من كانون الأول الحالي، أنه «قدّم للمحكمة الاتحادية 14 خرقاً فنياً وإدارياً رافق إجراء الانتخابات الماضية فضلاً عن المخالفات الدستورية والقانونية التي ارتكبتها مفوضية الانتخابات، معززةً بالأسانيد والحجج والأدلة القاطعة التي أدت إلى تغيير نتائجها وسببت ضرراً كبيراً وحرفاً عن حقيقة الأرقام الصحيحة للناخبين».
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات كانت قد أعلنت مساء الثلاثين من تشرين الثاني 2021 النتائج النهائية للانتخابات النيابية المبكرة التي جرت في العاشر من تشرين الأول 2021، وباستثناء ترحيب التيار الصدري بها، أثار الإعلان أزمة وردود فعل كبيرة إضافية، مشككة بالنتائج المعلنة، وغير مرحبة من قبل معظم القوى والأحزاب والشخصيات المشاركة بها، التي أكدت وجود «عمليات تزوير وتلاعب» حتى مع إعادة عملية الفرز والعد يدوياً وفقاً لبعض الطعون التي أظهرت تغييراً طفيفاً في النتائج. ولأول مرة رفض الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرزاني النتائج النهائية، الذي لم يكتف بالرفض فقط، بل اتهم رئيسَي الجمهورية برهم صالح ومجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، بالتلاعب بالنتائج الانتخابية، بعد أن كان يدافع بقوة عن النتائج الأولية، ويعتبر أن العملية الانتخابية جرت بطريقة جيدة، وذلك بعد أن خسر بنتيجة معالجة بعض الطعون مقعدين لمصلحة تحالف كردستان.
النتائج الانتخابية المعلنة لن تكتسب شرعيتها إلا بعد تصديق المحكمة الاتحادية العليا عليها، حيث ستقوم بتدقيق كافة الإجراءات المتخذة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، من بدايتها وحتى نهايتها، لتتأكد من خلوها من أي خروقات دستورية أو قانونية. وبالتصديق على النتائج النهائية للانتخابات النيابية المبكرة، تُمنح الصفة الدستورية للنتائج، ليدعو بعدها رئيس الجمهورية برهم صالح، المجلس النيابي الجديد للانعقاد.
العراقَ أمام جولةٌ جديدة من النزاع على النتائج الانتخابية، ساحتها الأساسية هذه المرّة هي القضاء، بعدما صعّدت القوى المعترضة على النتائج من خصامها مع المفوّضية الانتخابية، مطالِبةً إمّا بإلغاء النتائج بكاملها، أو بإعادة الفرز والعدّ يدوياً لكلّ الصناديق في العراق، حيث تهرّبت المفوّضية العليا للانتخابات من الفرز والعدّ يدوياً لكل الصناديق في جميع المحطات الانتخابية، رامية الكرة في ملعب المحكمة الاتحادية التي أمامها خياران، إما التصديق على النتائج بشكل عام. أو رفض التصديق عليها في حال استطاع المشتكون أن يثبتوا وقوع خروقات دستورية أو قانونية أو فنية بما لا يقبل الشك، آمرة إما بإعادة العد والفرز للصناديق التي رفضت المفوضية الاستجابة إلى الطعون المقدمة بشأنها، أو بإعادة العد والفرز لكل الصناديق في جميع المحطات الانتخابية.
المحكمة الاتحادية العليا لا يمكنها التصديق على نتائج الانتخابات إلا بعد حسم الدعاوى المقدمة أمامها ضد النتائج، كما أنه من شبه المستحيل، أن تلبي المحكمة الاتحادية مطالب القوى المشتكية، بإلغاء الانتخابات ونتائجها، إذ لا يوجد مستند قانوني يمكن أن تركن المحكمة إليه باتخاذ هكذا قرار، خاصة مع انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي، المخول باتخاذ أي قرار بشأن التصديق على حكومة ومفوضية انتخاب جديدتين..
اليوم تواجه المحكمة الاتحادية أصعب موقف لها، خاصة أنها تعرف موازين القوى جيداً، فإن حكمت لمصلحة الفائزين، وصدقت على النتائج، فإنها ستكون بمواجهة ردود فعل شارع واسع تملكه القوى الخاسرة. وإن لم تصدق على النتائج فإنها ستكون بمواجهة جماهيرية التيار الصدري الشديد الطاعة لرئيسه مقتدى الصدر، حيث من الاستحالة أن يقبل التيار الصدري التخلي عن المركز الأول بحصوله على (73) مقعداً.
المحكمة الاتحادية العليا ستتعامل مع أزمة الانتخابات ونتائجها بتأنٍ كبير، وستماطل في اتخاذ أي قرار، عسى أن تصل القوى السياسية المتصارعة إلى اتفاقات بشأن المرحلة المقبلة، تُسهل عملية التصديق على النتائج من دون أن تسهم بإشعال فتيل أزمة أكبر، خاصة أن تصديق المحكمة الاتحادية العليا على النتائج، غير محدد بزمن، كون المشرِّع عند كتابة الدستور أغفل تحديد سقف زمني لتصديق المحكمة الاتحادية على النتائج الانتخابية.