ليس من المبالغة الاستنتاج بأن إسرائيل تواجه أصعب الأوقات والتحديات المزمنة من ناحية مضاعفات كورونا عليها اقتصادياً واجتماعياً إلى حد لم تعهده منذ عام 1948، وكذلك من ناحية عسكرية على جبهات ثلاث.
ففي 19 كانون الأول الجاري، اضطر رئيس الحكومة نفتالي بينت بعد اجتماع عقده لمجلس الوزراء المصغر للشؤون الأمنية والإستراتيجية لعقد مؤتمر صحفي استهله بتوجيه كلمة للإسرائيليين اعترف خلالها بخطورة مضاعفات جائحة كورونا قائلاً: «يمضي الوقت وبدأ يضيع لأن فيروس «أوميكرون» الناتج عن كورونا، بات ينتشر بسرعة بيننا وأصبح موجوداً من الكنيست (البرلمان) حتى مدارس الأطفال، ولذلك أدعو جميع العائلات للإسراع إلى المراكز الصحية لإعطاء الأولاد اللقاح ومن دون تأخير وقد أوقفنا عمل المطار لمنع استقبال الأجانب خوفا من سرعة انتشار هذا الفيروس»، كما أعلن عن إغلاق موسع وطالب أصحاب المعامل ورجال الأعمال في القطاع الخاص بإرسال الموظفين والعمال إلى بيوتهم للعمل منها بدلاً من الاختلاط لمدة أسابيع قليلة حتى يحد من انتشاره» واعترف بأن القرار صعب لكن ليس هناك خيار غير هذه الإجراءات.
وزارة الصحة الإسرائيلية أفادت في موقعها الرسمي بأن فيروس كورونا ونسخته الثانية دلتا، أصابا ما يزيد على مليون و140 ألفا مات منهم أكثر من تسعة آلاف خلال الموجات الأربع من الانتشار، وأن الموجة الخامسة التي يتصدرها «اوميكرون» تنتشر بسرعة مذهلة.
وقع المؤتمر الصحفي الذي عقده بينت أول من أمس، كان قد أصاب عدداً من مراسلي القنوات العبرية بالذهول، وذكروا أن الخوف سوف ينتشر بنفس سرعة انتشار فيروس «أوميكرون»، وذكرت «يديعوت أحرونوت» أن وزير الصحة نيسان هوروفيتش أعلن أن كل من سيمتنع عن تلقيح أبنائه ستقع المسؤولية عليه، وقالت ميراف بن آري عضو الكنيست من حزب «يوجد مستقبل»: إن إسرائيل ستخسر مليارات من الشواقل نتيجة إغلاق مطار بن غوريون ومنع استقبال أي قادم باستثناء الإسرائيليين، وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس أن «أوميكرون» أسقط الأسواق وتسبب بهبوط حاد في بورصة تل أبيب، وذكر وزير المالية أفيكتور ليبيرمان أنه لن يتمكن من تعويض أي من رجال الأعمال وأصحاب المهن عن الإغلاق وسوف يكتفي بإعطاء مئة مليون شاقل لشركات الطيران الإسرائيلية التي ستتوقف عن العمل.
في ظل هذه الأزمة المتفاقمة اجتماعياً واقتصادياً والشلل الذي تنشره في عمل البنى التحتية والعملية الإنتاجية وأعمال الخدمات نتيجة الإغلاق، تزداد أزمة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يعاني من نقص القوى البشرية من ناحية ومن ناحية أخرى ما تخفيه قيادة الجيش من أرقام عن إصابات كورونا التي وصلت إلى أفراده وخاصة لأنهم في ساحة دائمة للاختلاط بين بعضهم بعضا وبين عائلاتهم في عدد من الأيام بل إنهم مجتمع عسكري قد يبلغ عدد أفراده 300 ألف أو أكثر على غرار سكان مدينة ينتشر فيها هذا العدد في مساحتها ولا بد أن يصل إليهم الفيروس بمختلف موجات انتشاره. صحيفة «يسرائيل هايوم» ذكرت في 22 تموز 2020 أن 8125 من الذين يخدمون في الجيش أصيبوا في ذلك العام، وجرى عزلهم لمدة طويلة وهذا يعني ببساطة أن ما يصيب الجمهور الاستيطاني في المدن والمستوطنات سيصيب الجنود ويفرض عزل المصابين، أي إيقافهم عن الخدمة العسكرية اليومية لمدة أسبوعين أو أكثر، ويذكر أن وزارة المالية قد استجابت قبل أسبوعين لطلب من وزير الدفاع بزيادة رواتبهم بنسبة 50 بالمئة بشكل دائم.
لاشك بأن وضع جيش الاحتلال الراهن الآن يدل على أنه في حالة حرب يومية أو شبه يومية على ثلاث جبهات من الشمال سورية والمقاومة اللبنانية ومن الوسط الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس ومن الجنوب قطاع غزة وفصائله المقاومة.
وهذا الوضع الذي تنتشر فيه كورونا لن يكون في حالة مستقرة بل إن الجنرال المتقاعد غيرشون هاكوهين يرى في تحليل نشره في مجلة «إنتاج المعرفة» الصادرة بالعبرية أن وضع إسرائيل في الثمانينيات كان أفضل من الوضع الراهن، وهو يشير هنا إلى وجود جبهة واحدة في مجابهة إسرائيل في ذلك الوقت من عام 1982 هي سورية ومعها المقاومة اللبنانية والفلسطينية حين اجتاحت قوات الاحتلال لبنان في ذلك العام، ثم هزمت قوى المقاومة اللبنانية مدعومة من سورية وطهران وفصائل المقاومة الفلسطينية جيش الاحتلال من جنوب لبنان عام 2000، ولم يستطع جيش الاحتلال إضعاف قوة هذا المحور حتى هذه اللحظة بل إن هذا المحور ولّد جبهة جنوبية ضد إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005 وجبهة مقاومة داخل الضفة الغربية، وهذا ما جعل إسرائيل تجد نفسها في أسوأ وضع عسكري على ثلاث جبهات، إضافة إلى جبهة داخلية رابعة هي كورونا التي لم تستطع الحد من مضاعفاتها المتنوعة حتى الآن.