ما الذي يجعلنا نحتفي بالأشخاص حين يموتون؟!
على المستوى العائلي يعبّر الكثير من الأشخاص عن مشاعر حزن وربما ندم لأنهم لم يقضوا وقتاً أطول مع أفراد أسرهم، وكثير ما يتجلى ذلك بالاحتفال بذكرى وفاتهم أو حتى ولادتهم أو بذكر بعض المواقف أو النصائح التي قدموها في حياتهم.
على مستوى الأسر يحدث هذا وكل منا يجد في محيطه من يفعل ذلك.
الأمر مختلف عند الحديث عن الشخصيات العامة وأولئك الذين قدموا شيئاً في عالم الفكر.
ولدينا مثال حديث وهو الأستاذ وليد معماري، ولست في معرض الرثاء فقد امتلأت الصفحات بذلك. فهو من القلة الذين حازوا الإجماع على محبتهم في عالم الصحافة والأدب، فالمعروف أن الذين يعملون في هذه المجالات لديهم «عداوة» كار من نوع خاص ربما كلمة «عداوة» أكبر من واقع الحال، لكن هو التعبير المتعارف عليه في المنافسة بين أصحاب المهن الفكرية بحيث من الصعب الاعتراف بموهبة الآخر وإذا ما تم الاعتراف بالموهبة لأنها أكبر من أن تغطى يتم تناول «الزميل» بوسائل أخرى غالباً ما تكون شخصية لكن وليد معماري نجا بالحب من كل ذلك..
الرجل عاش ثمانين عاماً لو استمع إلى نصف الكلمات الجميلة التي قيلت به لكانت هذه السنوات أجمل. فما فائدة قصائد الغزل الآن؟!
ما زلت أتحدث عن زملائه وأصدقائه ومحبيه و..
وفي مهنة الإعلام هناك زملاء يعانون «معيشياً» ومهنياً بعد أن قضوا أكثر من 40 سنة في عالم الصحافة وهم أسماء مهمة لكنها الآن بلا عمل وبلا اهتمام.
إذا اعتبرنا أن الزملاء والأصدقاء ليس لديهم حيلة وهم بشكل أو بآخر يسيرون في الاتجاه نفسه والحال من بعضه.. فماذا نقول عن الجهات الحكومية والاتحادات المهنية التي لا تقدم شيئاً لمثل هذه العلامات الفارقة في الحياة الفكرية.
فهل تم تكريم وليد معماري و «أمثاله» من وزارة الإعلام أو من وزارة الثقافة أو حتى من اتحاد الصحفيين أو من اتحاد الكتاب؟!
ما الذي يجعل ممثلة تتكرم عشرات المرات فيما شخصيات إعلامية وأدبية ليست خارج دائرة التكريم فحسب بل حتى الاهتمام، فكرة التكريم في الحياة تعتبر جداً مهمة. ومن أصدق الناس الذين تحدثوا عن رغبة البشر بتكريمهم في حياتهم الصحفي والكاتب يوسف السباعي فقد أهدى أحد كتبه لنفسه وكان صريحاً وهو يفسر ذلك… يقول: «أود أن أكرّم نفسي وهي على قيد الحياة، فأشد ما أخشى ألا يكرمني الناس إلا بعد الوفاة، ونحن شعب يحب الموتى ولا يرى مزايا الأحياء حتى يستقروا في باطن الأرض.. إني أريد كل شيء.. أريد الدنيا وأنا في الدنيا.. أما الخلود والذكرى والتاريخ فما حاجتي إليها وأنا عظام نخرة تثوي في قبر بقفرة؟».
هذا الحديث الصريح هو المنطق الصحيح… وأشكال التكريم معنوية ومادية وغالباً لا يحصل المبدعون لا على هذا ولاذاك.
ماذا ينقصنا لتشكيل لجنة دعونا نسمها لجنة التكريم غايتها أن تضع قائمة بأسماء مهمة في جميع المجالات تتابع حالهم وأحوالهم وتقدم لهم في حياتهم ما يحتاجونه… شعارها «اذكروا محاسن أحيائكم».
أقوال:
• من عاش في قومنا والعلم رازقه فحظه ما جنى من نوره الفحم
• لن يشكرك الأعمى على مرآة تعطيها له.
• لعل المَرء لا يهمه أن يحبه الناس بقدر ما يهمه أن يفهموه.