سبع عشرة جولة في «أستانا» للبحث في حل الأزمة السورية، ومن المؤكد أن العبرة ليست في الأعداد، ولا في الكمية، إنما في النوعية والنيات وما ينتج عنها من أفعال على أرض الواقع، بين الرؤية السورية ودول الحلفاء، ورؤية الطرف الآخر عبر ممثله النظام التركي، هوة كبيرة وفرق شاسع في رؤية الواقع واجتراح الحلول، وهذا يتبع هدف كل طرف أو جهة، فالحكومة السورية تنظر إلى الأمور بمنظار ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال أراضيها، ورفع جميع العقوبات عن شعبها، والقضاء على الإرهاب في أراضيها وباقي مناطق الكرة الأرضية، ومن هذا المنطلق تنظر إلى اجتماعات أستانا منذ البداية، آملة أن يتم تحقيق جميع رؤاها في هذا الإطار، على حين ينظر الآخر إلى «أستانا» مطية ووسيلة لتحقيق أهداف مشاريعه التي يعمل على تحقيقها من خلال تشويه حقائق الأمور، واتخاذه التنظيمات الإرهابية ورقة للمبازرة على طاولة الحل النهائي من دون أن يلتفت إلى ما حل ويحل بالشعب السوري من ويلات نتيجة أعمال أدواته الإرهابية، وإرهابه الاقتصادي المتمثل بالحصار والتجويع.
تحضر دمشق في «أستانا» وكلها إيمان بأن المكان ليس سوى بوابة للحل، وأن الحل والدواء الشافي لمرض الإرهاب «العضال» الذي يضرب الجسد السوري هو على الأرض السورية وبأيدي أبطال الجيش العربي السوري، عبر القضاء على الإرهاب، وإجبار الدول الاستعمارية المعادية على عدم دعم أي جهة أو عنصر بخلاف الحكومة السورية، سيدة الأمر، والآمر الناهي في قضايا البلد، هذا الأمر يظهر جلياً من خلال، ادعاء النظام التركي الحرص على وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة السورية، فيما مرتزقته من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم «جبهة النصرة» تنفذ أوامره المعاكسة والمخالفة لما تدعيه، وهو ما أكده بالأمس المبعوث الرئاسي الروسي إلى سورية ألكسندر لافرينتيف على هامش اجتماعات الدورة السابعة عشرة لصيغة «أستانا» حين قال: إن الجماعات الإرهابية كثفت نشاطاتها في جميع أنحاء سورية، وليس فقط في شمال البلاد، الأمر الذي يثير قلقاً، مذكراً بأن النظام التركي لم يقم بتنفيذ كل الالتزامات لكونه ضامناً للتنظيمات الإرهابية في شمال سورية، ليؤكد رئيس وفد الجمهورية العربية السورية معاون وزير الخارجية والمغتربين أيمن سوسان، أنه كان يمكن الحصول على نتائج بناءة أكثر لو أوفى نظام أردوغان بالالتزامات التي قطعها على نفسه للجانب الروسي.
القضية ليست مجرد اجتماعات، وقطع وعود، وتوقيع على تعهدات، بل إن لب الحل في التزام النظام التركي بتنفيذها جميعا، وإلزام مرتزقته بالانصياع لما يتم الاتفاق عليه مع الدول الضامنة الأخرى في عملية «أستانا»، فوجود تلك التنظيمات هو حجر عثرة في طريق أي حل ينهي الأزمة في سورية، فما تقوم به تلك التنظيمات وخاصة تنظيم «النصرة» الإرهابي في إدلب يعرقل حد نسف جميع القرارات الأممية والاتفاقيات الدولية بما يخص إنهاء الأزمة، وما عرقلتها لإيصال المساعدات الإنسانية لمحتاجيها وفق قرار مجلس الأمن رقم 2585 إلا أحد تلك الجوانب المعرقلة، حيث قال نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي: إن «إيصال المساعدات الإنسانية إلى إدلب الخاضعة للإرهابيين في ظل غياب آليات توزيعها يشكل مصدر قلق لروسيا»، مبيناً أن شحنة المساعدات التي تم تسليمها من حلب إلى سرمدا في محافظة إدلب في آب الماضي، لم يتسن توزيعها على سكان المحافظة إلا خلال الشهر الجاري.
إذا كان وصف الدواء في «أستانا»، فإن نتائجه الناجعة تكمن في ضرورة تطبيق الاستطباب للقضاء على الداء الإرهابي في سورية، وإلا ستبقى بيانات وقرارات «أستانا» حبراً على ورق، وجهوداً تنثرها اللامبالاة التركية على قارعة النسيان، وتأتي بنتائج بخلاف المأمول منها، كأن تقوم «جبهة النصرة» الإرهابية بالاستيلاء على أكثر من 50 بالمئة من المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية، وتقوم ببيعها في أسواق أرياف إدلب، كما فعلت مع شحنة العوازل التي دخلت من معبر باب الهوى بريف إدلب منذ أيام.