أثارت المجلة الإلكترونية «سكوت ثورتون» المناهضة للحروب الأميركية قبل أيام، انتباهاً ملحوظاً للعنوان الذي اختارته لحلقات إذاعية أعدتها للكشف عن الحروب العدوانية التي تشنها الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها على حساب الشعوب وهو: «الأكاذيب الأميركية التي أشعلت حروباً في 11 دولة».
ولا شك بأن أي متتبع للحروب التي وقعت في المنطقة والعالم في العقود الأربعة الماضية يعرف الدول التي استهدفتها الإدارات الأميركية ومنها العراق، الذي استهدفته واشنطن مستخدمة الأكاذيب الصارخة لإشعال ثلاث حروب عليه خلال عقدين فقط، ففي أيلول عام 1980 وظفت الأكاذيب الأميركية صدام حسين لإشعال حرب ظالمة ضد الثورة الإسلامية الإيرانية التي أسقطت أكبر نظام حكم متحالف مع واشنطن وإسرائيل في ذلك الوقت وهو نظام شاه إيران، ودمرت هذه الحرب قدرات الجانبين وتسببت بمليون ضحية، وتوقفت تلك الحرب عام 1988 من دون أن تحقق واشنطن هدفها بإسقاط الثورة الإيرانية فتحولت إلى إعادة خلط الأوراق واستخدام صدام في جبهة جديدة حين زينت له احتلال الكويت من دون أي اعتبار منها لدولة الكويت المتحالفة معها وسقط في الفخ واحتلها فحشدت ضده دولاً كثيرة وأخرجته منها وفازت بعقود إعادة البناء واحتكار آبار النفط في الكويت وفرضت عليه شروط المنتصرين على المهزومين فدمرت العراق للمرة الثانية، ثم عادت واستخدمت نسخة أخرى من أكاذيبها ضده هذه المرة وشنت حرباً شاملة على العراق عام 2003 بتهمة «دعم إرهاب الإسلاميين المتشددين وصناعة أسلحة دمار شامل» فدفع العراق ثمناً باهظاً لهذه الكذبة أيضاً، وتبين فيما بعد أنها أكاذيب أميركية باعتراف الأميركيين أنفسهم، وهذا ما فعلته حين احتلت أفغانستان عام 2001 وحملتها مسؤولية تفجيرات 11 أيلول عام 2001 في نيويورك وواشنطن رغم عدم وجود أفغاني واحد بين الذين نفذوا هذه العملية الإرهابية، علماً أن الذين كانوا في الحكم في أفغانستان هم ممن تحالفوا مع واشنطن عام 1980 ضد الاتحاد السوفييتي وكانت تقدم لهم الدعم بكل أشكاله
تثبت السياسة الأميركية دائماً أنها تعتبر جميع حلفائها مجرد أدوات يمكن الاستغناء عنهم، في الوقت الذي تتطلب منها مصالحها، التخلي عنهم، فقد تخلت عن الرئيس حسني مبارك لمصلحة الإخوان المسلمين في مصر عام 2011 وعن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لمصلحة حركة النهضة الإسلامية عام 2011 أيضاً، وعن معمر القذافي حين توافق مع مصالحها ومصالح فرنسا في آخر سنوات حكمه وفضلت مصلحة الإسلاميين الليبيين عليه تنفيذاً لخطة باراك أوباما الذي أصدر أوامره بتنفيذها عام 2010 قبل أحداث ما يسمى «بالربيع العربي» بموجب نص هذا القرار الرئاسي رقم 11 الذي كشف عنه بعد سنوات. وفي هذه الأوقات يبدو أن الأكاذيب استنفدت مفعولها وأصبحت هزيمة الولايات المتحدة وحلفائها في سورية وإجبار المقاومة العراقية لها على سحب قواتها من العراق وكذلك بعد سحب قواتها من أفغانستان، تدفع الإدارة الأميركية إلى اللجوء الآن إلى إجراء تغيير على خططها تجاه هذه الدول الثلاث، وتحولت الخطة الجديدة إلى الاعتماد على محاولة السيطرة على هذه الدول بمساعدة دول أخرى إقليمية حليفة لها في المنطقة.
لقد وجدت إدارة بايدن أن دولة غنية بأموال النفط والغاز، مثل قطر، ومعها دولة إقليمية مثل تركيا، يمكنهما أن يضمنا المصالح الأميركية في أفغانستان حتى في ظل حكم طالبان، ولذلك نسقت واشنطن معهما لإدارة المطارات الأفغانية الخمسة في البلاد وتعزيز علاقاتهما مع طالبان لحماية المصالح الأميركية فيها ومنع تعبئة الفراغ الذي نشأ بعد انسحاب قواتها من دول أخرى.
وفي العراق تحاول إدارة بايدن ربط الحكومة العراقية بتنسيق وعلاقات سياسية واقتصادية مع القاهرة وعمّان، بهدف إبعاد العراق عن التعاون مع طهران ومنع زيادة الانفتاح على جارته سورية التي يشاركها في التصدي لمجموعات داعش عند حدودهما المشتركة.
أما مع سورية فالموضوع أكثر تعقيداً لأن سورية جزء لا يتجزأ من محور المقاومة الذي يضم إيران والمقاومة اللبنانية، وتشكل قاعدة مركزية فيه، ولذلك تحاول إدارة بايدن الابتعاد عن التصعيد من الجوار السوري وتتيح لبعض حلفائها أو أصدقائها إدارة علاقات ذات فوائد مشتركة مع سورية وهو ما ظهر في سماح واشنطن لعمّان والقاهرة بمد خطوط مساعدات للبنان لا يمكن القيام بها من دون موافقة سورية ومرور هذه المشاريع في أراضيها، علماً أن ما يجمع سورية مع العراق من مستقبل اقتصادي وكفاحي مشترك ضد الإرهاب أكثر بكثير مما يجمعها مع عمّان والقاهرة، ولذلك سيواجه أي مخطط أميركي للاستفراد بسورية أو عرقلة توسيع علاقاتها مع الجوار إخفاقاً مؤكداً ولن تنجح محاولات إدارة بايدن استخدام علاقاتها مع القاهرة وعمّان ضد سورية، لأن سياسة كهذه ستلحق الضرر بالأردن ومصر، في حين أن واشنطن لا يهمها سوى مصالحها حتى لو كانت على حساب الدول الصديقة لها في المنطقة وهذا ما تثبته تجاربها مع دول عديدة.