لغة القانون والعربية الفصيحة إحياء بعد 70 عاماً … غياب اللغة القادرة على إيصاله إلى القائم عليه
| إسماعيل مروة
القانون أو مجموعة القوانين في البلدان العربية كافة. سواء أكان من حيث منطقيتها أم سلامتها أو لغتها التي كتبت بها تعد مشكلة تواجه المحامين والقضاة. ويقع المشرعون الكبار تحت وطأتها! خاصة عندما يتوهم كثيرون أنهم متمكنون من ناصية اللغة!
والمشكلة أن الأمر يتعدى اللغة والصواب والخطأ. فالصياغة السليمة تقدم فهماً سليماً وبالتالي تقدم تطبيقاً سليماً للقانون.
أما تخبط المشرع اللغوي فيوقع النص في لبس. ويجعل فهمه صعباً. ويصبح تطبيقه مشكلاً. والحل بسيط يتمثل بالصياغة اللغوية والسلامة.
لغة القانون والمشكلة
حين عرض الصديق الاستاذ أحمد منصور كتاب لغة القانون للدكتور الراحل عدنان الخطيب أثار استغرابي. إضافة إلى أنني لم أكن قد اطلعت عليه. فقد عرفت أن المشكلة قديمة تعود إلى أربعينيات القرن العشرين. أي مع بداية نشوء الدولة الوطنية العربية بعد الاستقلال. وقد نشر الخطيب كتابه مجموعاً بعد أن كان مفرقا وأوراقاً عام ١٩٥٢. وهذا التنبه المبكر وقرع الناقوس في تلك المرحلة كان من المفترض أن يعطي حلولاً وأن يتحول إلى أمر تاريخي. لكن ما حدث كان غير ذلك!
المصادفة والسبب
يقدم المحامي منصور لكتابه بمفارقتين. الأولى أن هذا الكتاب حصل عليه من بسطة كتب حيث مكان المكتبات القيمة والكبيرة بعد رحيل أصحابها ووقوعها بين أيدي ورثة لا يقدرون قيمتها التاريخية والحضارية. والثانية التي رآها هي أن ما شكا منه الخطيب وانتقده وطالب بتلافيه. وكذلك فعل الأديب علي الطنطاوي في تقديمه للكتاب. فهو لا يقدم للكتاب بصفته الأدبية وإنما يقدم بصفته الحقوقية والقانونية والوظيفية.
وفي مقدمة المحامي منصور فتح للجرح اللغوي والمشكلة التي تترتب عليها أمور في تطبيق القوانين والأنظمة. وقد ساق لذلك أمثلة عديدة يعرفها المحامون والقضاة خير معرفة فبين المشكلة وعمقها وجوهرها.
أما الراحل الطنطاوي وقد حمل يومها صفة قاضي دمشق. فقد تناول الأمر من جانبين الأول من خلال تجربته القضائية وما يعترض. والثاني من خبرته القرائية والتراثية الغنية والتي من الصعب أن يتحلى بها قاض آخر في ذلك الوقت. فما بالنا بزماننا؟!
فاستعرض الطنطاوي الكتب التي تعرضت للقانون مثل الأحكام السلطانية وتمنى العودة إلى لغتنا القضائية الواضحة. وهو لا ينكر ضرورة القانون الوضعي وكل ما يشير إليه من تراثنا وضعي متوافق عليه.
ماذا يقول؟
الكاتب الدكتور عدنان الخطيب واحد من القضاة والحقوقيين المعروفين وتولى مجموعة من المواقع القضائية في حياته. إضافة إلى عشقه للعربية الذي جعله يهدي كتابه لرئيس مجمع اللغة العربية محمد كرد علي. وليصبح هو بعد رحيل كرد علي وفي عهد الوحدة عضواً في مجمع اللغة العربية. ويوقع مرسوم تعيينه نائب الرئيس في عهد الوحدة عبد الحكيم عامر. ويصبح فيما بعد أمينا للمجمع حتى وفاته. كما جاء في ترجمته التي كتبها محقق الكتاب الأستاذ منصور… فماذا أراد أن يقول في الكتاب؟
الكتاب لطيف الحجم من فئة كتاب الجيب. ولا يريد المؤلف الشرح والتطويل وإنما يريد أن يشخص مسألة الجهل اللغوي عند القانونيين وما تجره من مشكلات على القضاء واللغة والهوية العربية.
1- اللغة في الدساتير العربية. يبدأ من نصوص الدساتير العربية التي تنص على اللغة العربية. ولكنها لا تعطي اللغة حقها.
2- صياغة القانون طبيعة القانون
يقدم مجموعة من الآراء التي تعزز مكانة اللغة في القانون الذي يحرص على الروابط الاجتماعية والسياسية ويحمي مصالح الناس.
3- الاختلاف على المصطلحات
يورد الكاتب من واقع التجربة وأروقة المحاكم والنصوص القانونية التي اجتمعت لديه مجموعة من المصطلحات المستخدمة في البلدان العربية. والدالة على مدلول واحد. لكنها مختلفة وذلك يعود برأيه للغة والترجمة ويرى ضرورة توحيد هذه المصطلحات العربية.
وفي تناوله لها يعزز مصطلحاً على حساب آخر لأنه أكثر تعبيراً وتحديدا. والحق أن هذا الكم من الخلافات يفاجئ القارئ. لكنه صورة عن الخلافات في المصطلحات في كل باب من الدراسات اللغوية إلى الإلكترونية مرورا بالقانونية.
٤- اللغة القانونية ووجوب توحيدها. محاضرة ألقاها الكاتب في المؤتمر الأول للمحامين العرب بدمشق ١٩٤٤ وفيها استعراض للمصطلحات واختلافها ودعوة للمحامين العرب في مؤتمرهم لتوحيدها. وللحق فإن المصطلحات التي تناولها أعطى فيها رأيا. وكان من الممكن متابعة التوحيد لكن ذلك لم يحدث!
٥- التشريع والمشرعون وهي دراسة ناقدة حادة تبحث عن العلم المطلوب فيمن يتولى التشريع. ويحسن أن تقرأ بتمامها لما فيها من دعوة للعلم.
٦- القانون والأدب. وهو فصل أدبي يتناول الروابط التي تربط بين الأدب والقانون أو ما يجب أن يكون. وهي دراسة لطيفة كتب فيها كثيرون. والحقيقة أن الحب للأدب هو حاجة إنسانية لكل اختصاص إذا ما نظرنا إلى الأدب على أنه وسيلة حياة وليس اختصاصا منفرداً.
وبعد
كتاب أو كتيب لغة القانون كتاب لطيف مهم في وقته وما يزال مهما إلى اليوم ويقدم نموذجاً عن إهمالنا للغتنا والتقاعس في تطويع العلوم لها. وفي عدم الاستفادة من غنى اللغة. ويبقى نشره عملية نبش في الكنوز وإعادة الإحياء لما يستحق أن يكون بين أيدي المتخصصين.