من دفتر الوطن

عن الحذلقة وحب الحكمة

| حسن م. يوسف

قبل أيام كتب عضو مجلس الشعب السوري الصديق الأستاذ خالد العبود لسان حال على صفحته في «فيسبوك» ينتقد فيه أعضاء الحكومة «الذين يتحدثون عن جوهر فلسفة «الدعم» التي قامت عليها الدولة، في الجمهورية العربية السورية». واصفاً مستواهم المعرفي والفلسفي بأنه «ضعيفٌ جداً» لأنه «لا يُحاكي مستوى الجذر المعرفي والفلسفي الحقيقي والتاريخي لأبعاد تلك الرئيسيات التي قامت عليها الجمهورية أساساً!».

غير أن الأستاذ خالد لم يتفضل بالإضاءة على ذلك «الجذر المعرفي والفلسفي لأبعاد تلك الرئيسيات» وكأنه يفترض بنا جميعاً أن نعرف ذلك (الجذر)!

وأنا إذ أعزي الأستاذ خالد العبود باستشهاد ابن عمه الشهيد علاء عبود الذي «نالت منه يد الخيانة والغدر والخسة والعمالة، في مدينة درعا» لا يسعني إلا أن أتساءل عن علاقة من يعنيهم بـ«الفلسفة» أي محبة الحكمة والبحث عن حقائق الأشياء ومبادئها. فقد عودنا هؤلاء أن يؤكدوا مراراً أنه لا رفع لسعر هذه السلعة أو تلك في الصباح، ثم يقومون بلحس كلامهم ورفع سعرها قبل طلوع النهار.

والحقيقة أن ما يفعله معظم أولئك السادة لا علاقة له بالحكمة ولا بالحب، بل هو ممارسة بدائية للعبة التحكم، وفي كثير من الأحيان قد تترافق لعبة التحكم هذه، مع قيام بعضهم بممارسة التذاكي على المواطنين بأشكال مثيرة للغيظ. وهذه ظاهرة قديمة عندنا؛ ففي ثمانينيات القرن الماضي شهدت البلاد شحاً في مادة الفروج والبيض، كما في كثير من السلع، وقد طلع علينا يومها مسؤول بتصريح أكد فيه قرب انفراج الأزمة، وليته اكتفى بهذا التأكيد البسيط ولاذ بالصمت، لكنه قرر أن يستخدم سلاحه الثقيل من ذَلاقة اللسان والبَلاغة والفصاحة، فأضاف العبارة التالية: «وسيسيل الفروج في الأسواق بدءاً من الغد». والحق أن كلمة (سيسيل) ضربت على عصبي يومها، فكتبت زاوية «قوس قزح» بشرت فيها المواطنين بأنهم لن يضطروا بعد اليوم لأن يذهبوا إلى الأسواق لشراء الفروج ومشتقاته، إذ إن حكومتنا الرشيدة ستمد شبكة أنابيب لكل البيوت، ستسيل منها الفراريج على مدار الساعة، وما على المواطن العزيز الذي يريد أن يحصل على فروج أو أكثر إلا أن يفتح الحنفية فيسيل الفروج منها على أهون سبيل ويحصل المواطن على الكمية التي يريدها.

والحقيقة أن السيد وزير التموين، الذي أكن له مودة قديمة، ذكرني بذلك التصريح عندما تحدث قبل أيام عن: «وجود انسيابية في تدفق القمح الروسي إلى سورية، ووجود كميات كافية للاستهلاك…».

لكن ما دعاني لكتابة هذا المقال هو تصريح لوزير آخر، أكد فيه أنه لا يوجد إلغاء للدعم بل إزاحة للدعم من بعض السلع إلى سلع أخرى، وبما أننا كلنا نعرف السلع التي (أزيح) عنها الدعم، نود من سيادته أن يسمي لنا سلعة واحدة تم تجيير الدعم لمصلحتها! أي بقي سعرها على حاله، فجميع السلع من دون استثناء ارتفعت أسعارها أضعافاً مضاعفة بما في ذلك رغيف الخبز الذي كان خطاً أحمر منذ أن حددت «أبعاد تلك الرئيسيات التي قامت عليها الجمهورية أساساً!»

نعم أيها السادة، نحن نعلم أن ظروف بلدنا صعبة لأننا نعيش حالة حرب بلغ طولها أكثر من ضعفي الحرب العالمية الثانية، لذا دعونا نكف عن الحذلقة، لأنها قد تكون في بعض الأحيان مؤلمة لمواطنينا أكثر من المشاكل التي يعانونها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن