ثقافة وفن

كثيرٌ من الكلام..قليل من النور

سيلفا رزوق

قال لي أحد نجوم الفن الكبار منذ مدة ليست ببعيدة: إن الفن وجد لتسلية الناس فقط ويجب ألا نحمله أكثر من ذلك وكدليل على صحة هذه القناعة الشخصية لهذا النجم الكبير أورد العديد من المسرحيات والأفلام وحتى المسلسلات التي مرت مرور الكرام دون أن يكون لها أي دور أو تأثير إلا تسلية المشاهدين وفي أحسن الأحوال أحدثت ضجيجاً من الكلام.. والسلام!؟.
لست بوارد مناقشة هذا الكلام أو الرأي الآن لكنني أضيف بأنه حتى الأفلام والمسرحيات والمسلسلات تتحول إلى جزء من التاريخ أو شاهد عليه.
كذلك الكتب والروايات والجرائد تفوح من بين سطورها رائحة الناس وفكرهم وخلاصة تجاربهم وقناعاتهم لتتحول تدريجياً ومع مرور الوقت إلى جزء من ذاك الكل.
التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون ضمن هذا الإطار والتصور والحقيقة تغدو الحروف والكلمات هي الأقوى والأبقى والأفعل.. لذلك يكون الكلام عند كل بداية ونهاية.
أجيال كثيرة تربت وكبرت وترعرعت على حكايا الجدات لتبقى تلك الحكايات في الأذهان كتاريخ متوارث ينتقل بالتواتر من جيل إلى آخر وهو ما أعطى الميزة أو السمة الخاصة لكل مجتمع أو تجمع إنساني حسب اعتقادي.
إذاً التاريخ هو حروف وكلمات لكنها تخفي خلفها أفعالاً وأعمالاً جسام وعثرات وانجازات تحمل رائحة الناس في ذلك الزمان البعيد أو القريب وتدل عليهم.
المتتبع لحياة الناس وتفاصيلهم الصغيرة «خاصة في الشرق» يشعر وربما يدرك بشكل فعلي أن تاريخهم الشخصي يقوم على أساس المبدأ الذي يقول كثير من الكلام قليل من النور.
من هنا يمكن أن نفهم سبب الهوة الكبير بين الأقوال والأفعال في المجتمعات الشرقية.. فقد تجد أشخاصاً حاصلين على أعلى الشهادات العلمية ومن أكبر وأشهر الجامعات العالمية ولهم العديد من الكتب والمؤلفات والمحاضرات اليومية التي تتحدث عن القيم والمبادئ الإنسانية النبيلة وأهمية وجودها بين الناس.. لكن المفاجأة ستأتيك مباشرة عند الاقتراب من الحياة الشخصية لهذه الشريحة من المجتمع فمساحة النور عندهم أصغر بكثير من نقيضه، وهذا ينسحب على أفعالهم البعيدة هي الأخرى عن كل تلك الكلمات لتغدو حصتهم من التاريخ بهذا الحجم وضمن هذه الحدود.
المؤلم أكثر أن الحكاية ذاتها تتكرر فصولها بين الكثير من الإعلاميين والأدباء والمفكرين والنخب الثقافية؟ دون أن تعنيهم تلك المسافة بين الكلمات والنور.. والنور هنا بمعنى العمل والحركة والبناء والفعل والقيم السامية.
لست أدري متى يمكننا أن نقول: كثير من الكلام.. كثير من النور؟ لكن المؤكد أن هذا الموعد ليس بقريب، طبعاً لا علاقة للأمية وارتفاع منسوبها بهذا الأمر من قريب ولا من بعيد!؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن