يستميت الأهالي عموماً والمدرّسون خصوصاً ليحصل أبناءهم على العلامة التامة، ويعتمدون أساليب ملتوية تحت ذريعة تعويدهم على التفوّق، وتقوية شخصيّتهم. تراهم يعرفون أن إيهامهم بالتفوّق مؤذٍ لهم؟
تنتهي المرحلة الدراسية الأولى وتبدأ الأمور تخرج عن السيطرة فيقولون: تراجع ابني، كان الأفضل. إنهم مصرّون على أن يضحكوا على أنفسهم حتى الرمق الأخير. فيصير الولد غشّاشاً ويعتاد أن يفعل أي شيء ليحقّق مراده. وتسقط أسطورة البطل أبي العشرات. ماذا لو لم يتصرّفوا بهذه الطريقة؟. لو يحصل هذا يعرف كل ولد قدراته ولا يشعر بالعجز أو الإحباط ولا يصير هذا الولد مشروع مواطن فاسد.
أعرف أمهات يضربن أولادهن إن نقصت علامتهم عن العشرة ولا يراجعن لهم أخطاءهم حتى لا يعيدوا الخطأ، يضربن وهنّ مقتنعات أن الولد سيركّز ولن تتكرر القصة كثيراً. وأسمع عن آباء يؤنّبون زوجاتهم للسبب نفسه ويلقون اللوم عليهن فهنّ غير حازمات، وكأن الحزم عصا نرفعها على الولد.
مقارنة الابن بأقاربه
سألت بعض الأهالي:
ديما السالم (مدرّسة لغة فرنسية): الأهالي يطيرون من الفرح بالعلامة التامة ويصعقون إذا نقصت نصف علامة، طبعاً هذا جنون، والكارثة أنهم يقارنون ابنهم بابن عمتهم أو ابن خالتهم وهذا غباء، كل طفل له مستوى من الذكاء ويجب أن نشجعه كيفما كان مستواه. بالنسبة لي لا تهمني العلامة التامة بقدر ما يهمني أن يستفاد ابني.
بديع صنيج (صحفي) كلما تذكرت موضوع العشرات أو العلامة التامة، وأهميته بالنسبة لكثيرين من الأهالي، تعود إلى ذاكرتي قصة عايشتها منذ طفولتي، حينها كنت في الصف السابع، وابن جيراننا في الصف الرابع، وكان مُكَدَّراً لأنه نال في مادة اللغة العربية خمس درجات فقط من عشرة، وكانت أمُّه منزعجة جداً حتى إنها قالت له لنر ما سيفعل أبوك المدرِّس بك عندما يعلم، وفعلاً جاء جارنا إلى المنزل ولاحظ توتُّراً عند ابنه، سأله: ما الخطب؟، فاستجمع الطفل شجاعته قائلاً: لقد نلت خمس درجات في اللغة العربية، فما كان من الوالد إلا أن ضحك ملء فمه، وقال له: لا تحزن في المذاكرة القادمة خُذ خمسة أيضاً فتصبح علامتك عشرة. بالطبع جارنا لم يكن سعيداً بدرجة ابنه، لكنه كان واعياً أن العلامة ليس هي المهمة، وإنما التحصيل العلمي الكامن وراءها.
المهم أن يعرف ضعفه
ميادة شريف (معلمة صف): لا مشكلة عندي أبداً لما لا يأخذ ابني العشرة ولا أدقّق، المهم أن أعرف نقاط ضعفه، يوجد أهل مثلي لكن قلائل ويوجد أهل يريدون العشرة بأي طريقة ولو كان هذا على حساب أن يذلوا أنفسهم أو يضعوا كرامتهم جانباً، ومنهم من يظهر أن هدفه ليس العشرة لكنّ كل تصرفاته توحي بالعكس.
شهله ديوب (مدقّقة لغوية): أعتقد جازمة بميل معظم أولياء التلاميذ إلى المبالغة في مسألة التحصيل العلمي، وربط المسألة بالدرجات.. لا يختلف اثنان منا في مسألة عدم صوابية مناهجنا وأيضاً التقييم الذي يحدد من خلاله درجات الطالب. أميل دوماً إلى مدى معرفة أبنائي لما يقرؤونه أكثر من الدرجة التي يتم تحصيلها. لكن مع التقدم ندرك أن دخول الفروع الجامعية مرهون بالدرجات. لذلك ينبغي أن ننبه أبناءنا للأمر دون أي يكون تركيزنا بالمطلق على الدرجة. خلال الفترة الوجيزة لي في مضمار التعليم وبخاصة في مدارس خاصة أدركت أن الدرجة لدى الأهل أهم من المعرفة وصل الأمر حد القول: يرسلون أبناءهم ليأخذوا عشرة. للأسف ظاهرة مجتمعية تحتاج الوأد، أو بالحد الأدنى الإضاءة وإلا فسنصل إلى دروب مغلقة في بلد لطالما اهتمت بالعلم وحصلت جامعاتها على مراكز متقدمة عالمياً.
التفوق على الآخرين
مجد إبراهيم (شاعر ومدرّس لغة عربية): الإنسان يريد النّصر والتّفوّق على الآخرين، وحين يقصّر في ذلك يشعر أنه أنتج كائنات تشبهه لتكمل مسيرة انتصاراته. هذا انعكاس لفكر القوّة والسّيطرة منذ الانقلاب الذّكوريّ على المجتمع الأموميّ القديم. واليوم نجد الأنثى تتبنّى مثل هذا الفكر الذّكوريّ محاولةً تطبيقه على نفسها وعلى أولادها من غير أن تشعر بذلك. بل إن فكر القوّة وقهر الآخرين انتقل حتّى إلى المأكولات فصرنا نرى أسماء بعض المحالّ مثل: ملك الشّاورما، وسلطان المندي، وقيصر الفلافل.. من هنا كان من الطّبيعيّ أن يدفع الوالدان أولادهما لنيل الدّرجة الكاملة في الامتحانات، فإذا تفوّق ابني على ابنك فهذا يعني أنني تفوّقتُ عليك.. وعند العجز عن التّفوّق في الحاضر نجترّ انتصارات وهميّة، فجميعنا ندّعي أنّنا كنّا الأوائل في صفوفنا الأولى.
أتمنى العلامة التامة
أُنس حرفوش (مدرّبة فنون شعبية): أكيد أنا أهتم بأولادي وبدراستهم وأتمنى العلامة التامة، لكن أحياناً لا يقدرون رغم تمرّنهم واجتهادهم لذا لا أخيّب أملهم ولا أعصّب، بالعكس أقول لهم لا مشكلة نحن نتعلم من أخطائنا، المهم أنّكم تعبتم وتدربتم، وكل خطأ يجعلكم تمشون خطوة للأمام. حتى لو انزعجت لا أزعجهم معي، بالعكس أشجعهم. طبعاً أعرف كثيراً من الناس عندهم هذه العقدة ويعاقبون أولادهم، وأنا ضد طبعاً لأننا نظنّ أن القدرات العقلية لأطفالنا مثلنا وهذا الشيء خطأ، يكفي رهبة الامتحان وخوف الطفل في أثناء الامتحان وضغط المعلومات الهائل.
إبراهيم علي (طبيب أسنان): أنا أميز بين حالتين هي لم تتعب، ولاحظتُ أنها قصّرت فلم تكن علامتها كما يجب، في هذه الحالة أشعرها بعدم الرضا والغضب، ولا ألبّي طلباتها أنا وأمّها لتشعر بخطئها. لكن عندما تتعب وتذهب علامة بسبب سرعه أو تلبّك أو حتّى من الأسئلة، في هذه الحالة أشجّعها وأدعمها.
الولد ليس جهاز كمبيوتر
منال برهوم (مهندسة): في البداية كان الموضوع يزعجني كثيراً وكنت أتضايق من ابني، بعدها فهمت أن الولد ليس جهاز كمبيوتر والأمر عادي. أحياناً الطفل ينسى شيئاً، أكيد أتضايق قليلاً لكن أقلعت عن عادة الغضب منه ومحاسبته لهذا الأمر. وفي هذه الأيام الآنسات «ينكشون» أسئلة من أجل طلابهم في البيت، فلم تعد المنافسة شريفة لنحاسب، يهمّني أن يدرس ابني ويبذل جهده فالعلامة ليست كل شيء.
العلامة تغيّر مستقبل الولد وهي مهمّة لكن الأهم منها أن نحافظ على صحة ابننا النفسية وعلينا ألا نكسره، نعلّمه عدم الاستهتار والتركيز ونستثمر طاقته ليحصّل، ونحفّزه لتطوير أدواته ولا نقول له ابن الجيران سبقك فنحبطه. علينا أن نحافظ على صحة أبنائنا النفسية فبناء المجتمع يحتاج إلى بناء نفسي سليم للفرد.