من دفتر الوطن

عام.. وأعوام!

| عصام داري

ثلاثة أيام ونودع عاماً غير مأسوف على شبابه، ونستقبل عاماً نأمل أن يكون خيراً من شقيقه الراحل بإذن الله!

يلملم العام البائس أوراقه ويلوح لنا تلويحة الوداع، وإني لعلى ثقة بأن أحداً لن يرد له التحية.

أما على الصعيد الشخصي-وعادة نشخصن الأمور- فبعد ثلاثة الأيام نفسها سأودع العام الثالث والسبعين، وأدخل برجلي اليمين إلى العام الرابع والسبعين من العمر.. ويا للهول!

هل أقترب شيئاً فشيئاً من مواكبة ثلاثة أرباع القرن وأنا بكامل قواي العقلية تقريباً، وبجزء من قواي الجسدية وما تيسر من الذاكرة التي تثبت لي يومياً أنني لم أصب بعد بمرض الزهايمر، والحمد لله.

كيف حدث ذلك؟ ولماذا؟ وكيف؟ وماذا قدمت خلال هذا العمر المديد؟

صدقوني أنني عندما كنت صغيراً يافعاً لم أتخيل أن يصل بي العمر إلى العام ألفين! بل كنت أستغرب هذا العام وكيف سيلفظه الناس بعد أن اعتادوا على لفظ الأعوام التي تحتوي على أرقام في خانات الآحاد والعشرات والمئات والآلاف، فمجرد التسمية كانت تقلقني!

المهم أنني تجاوزت العام ألفين سيئ الذكر وها أنا ذا أكتب لكم عن العام 2022، وهذا ما كنت أعتبره ضرباً من الخيال.

وفي هذه المناسبة سأحدثكم عن فيلم أميركي مرعب (in time) أي في الوقت المحدد، والغريب في الفيلم أن العملة المتداولة هي الوقت، بمعنى أنك إذا أردت شراء أي سلعة ما مهما كانت فعليك أن تدفع من رصيد عمرك، فتشتري سيارة أو تدفع أجرة الحافلة بالتخلي عن جزء من دقائق وأيام وسنوات عمرك!

أعجبتني الفكرة، فطالما نبيع بعضاً من أيامنا أو ساعاتنا مقابل الحصول على سلعة ما، فلماذا لا نبيع السلع التي نملكها لنشتري وقتاً يضاف إلى سنوات عمرنا المحدودة على كوكب الأرض.

وبما أن الإنسان طماع و(ما بيملي عينه إلا التراب) فإنني أود شراء المزيد من السنوات لأضيفها لعمري الذي يوشك على النهاية، فقد قررت أن أبيع سيارتي لأشتري سنوات إضافية، وكذلك سأبيع شاشة تلفزيون وأكتفي بواحدة، وكل شيء لا أحتاج له في بيتي وهكذا!

الأهم من ذلك قررت بيع بطاقاتي الذكية فلن أكون بحاجة للبنزين والغاز والسكر والرز والشاي والزيت والطون والسردين وغيرها من البضائع والسلع التي ستوفرها السورية للتجارة للإخوة المواطنين، ومعلوكم تعتبر البطاقة الذكية ثروة في هذه الأيام، وربما يكون ثمنها أكبر من ثمن السيارة والشاشة والهاون النحاسي.

لكنني اصطدمت بسؤال كبير وخطر: ترى لو اشتريت أعواماً جديدة وأضفتها إلى عمري، فهل تستحق الحياة الراهنة كل هذه التضحيات الجسيمة والتخلي عن بطاقاتي الذكية وهي «تاج رأسي»؟

بناء على ما تقدم، قررت بيع عمري كاملاً لمن يستحقه من الفقراء والمساكين وعابري السبيل، والله الموفق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن