للعام الثالث على التوالي، عادت المصادفة من جديد لتجعل آخر عدد في العام هو يوم زاويتي الأسبوعية. كنت وما أزال أحاول الهروب من هذه المصادفة لأنني لا أريد الإجابة عن السؤال الجوهري.. ما أمنياتك؟
قد لا يختلف اثنان في أنّ العام 2021 هو أسوأ عام مرّ على هذا البلد على الأقل خلال نصف قرن من الزمن، هذا يعني ببساطة أن عليك أن تحدّث السوريين بكل شيء إلا الأمنيات، تحديداً لأن الأمنية بالأساس مبنية على التفاؤل، وهذه البضاعة لا سوق تصريف لها إطلاقاً.
عندما حدّثنا علم النفس عن التفاؤل، وصفه بالشعور الذي يمنحك هدوء الأعصاب في أصعب اللحظات، لكنه ببساطة لم يحدد مقومات عامة لتلك اللحظات العصيبة وبمعنى آخر: إن تفاؤلك بالحصول على وظيفة ما يختلف عن التفاؤل بالحصول على أدنى مقدرات الحياة بما فيها ماء ساخن للاستحمام. تفاؤلك باكتشاف المجرم الذي سرق إطار سيارتك، يختلف عن انتظار معرفة أولئك الذين يسرقون وطناً في النهار ثم يخرجون إليك عند المساء مع فطيرة من دعوات للصمود ومشروب عالي التركيز بالوطنية والتضحية من أجل الوطن.
تفاؤلك بأن تقبل صحيفة ما مقالاً كتبته، يختلف عن تفاؤلك بأن تمر كلماتك بعيداً، حيث لا لغم يستهدف وهن عزيمة الأمة ينفجر بك، ولا قنبلة من قنابل التكفير تزيح كلماتك حيث تشاء اللحى العفنة التي لا تعرف إلا لغة الوعد والوعيد، يختلف عن طرحك لفكرة لا تعرف متى يصدر حكم يخوّنك لأجلها لأنك تأثرت بصفحات تدار من الخارج، لأنه التعبير الأكثر تداولاً في هذا العام، ببساطة تفاؤل عن تفاؤل يختلف!
لكن في المقابل دعونا نعترف بأن الوجه الآخر للتفاؤل في معارك مصيرية كهذه ليس «عدم التفاؤل» أو التشاؤم، الوجه الآخر ببساطة هو انهزام وانكسار، وبمعنى آخر: إن كنا سنخاف من لغم الكلمات أن ينفجر بنا، فهذا يعني أننا أعطينا لمن يزرعها انتصاراً ما، حتى أولئك الذين يظنون أن الله لم يهد سواهم، إن أرهبوك وجعلوك تبيع أفكارك لسوق نخاستهم العفن القادم من صحراء الجهل والنقل، فإنك بذلك أعطيتهم فرصة للذهاب بعيداً في انتصاراتهم المزعومة على العقل، أما عدوك المباشر فإن انتصاره على وطنك فيكمن أساساً بفرضية جعلك تراه مهزوماً، والمعركة لم تنته بعد.
أنا هنا لا أريد زراعة التفاؤل، كي لا تحرقني آهات الموجوعين وهذا حقهم، لكني ببساطة أعيد تذكيرهم ببدائل التفاؤل على جميع الصعد، فالمفتاح الأخير الذي قد تحمله بمجموعة مفاتيحك قد يكون هو المناسب للباب المغلق، هكذا قال أرباب التفاؤل ربما ليس حباً به، لكن كره باليأس.
في الخلاصة: تبدو الكتابة عن التفاؤل والأمنيات في ظروف كهذه ضرباً من الجنون، أنا هنا لن أطلب من أحد أن يتفاءل لكني في الوقت ذاته أعتبرها من الخيانة لنفسي ولوطني ولشعبي أن أشجّعه على اليأس، ولكيلا نضيع بين الكلمات تعالوا نبحث عن التفاؤل الوحيد القادر أن يجمع كل الآراء تحت زيتونة واحدة، زيتونة لا شرقية ولا غربية، لا يعايرنا بنورها أحد ولا نلوم من خلالها أحداً، أمنياتي لعام 2022 كما كانت في كل عام أن يبقى الكلام والخطاب والفصل.. للجيش العربي السوري، عندها ستصبح باقي الأمنيات مجرد تفاصيل.
كل عام وسورية بجيشها وشعبها بألف خير والرحمة للشهداء.