ثقافة وفن

متى ينجلي الصبح بعد عام!

| إسماعيل مروة

عام مضى لا يشبه سواه..! وما من عام يشبه سابقه ولاحقه، وما من لحظة تماثل أخرى، لكنه عام مختلف جداً، للسوريين كان عاماً امتلأ ضرعه بالمرار، استخرج منه كل ما هو مرّ، واستنبت الصقيع، وعرّش على جوانبه جوع ما عرفه أبناء سورية العاملون دوماً، والقادرون على فعل كل شيء في رحلة التحدي الطويلة.

في هذا العام انتعشت النكتة، وارتفعت نبرة السخرية من الذات، وعلماء الاجتماع يرون أنه كلما ارتفعت السخرية من الذات انحدر المجتمع، وصل إلى قاع غريب عنه، لا يعرفه ولا يدركه، وفي هذا العام ارتفع صوت الكلاب الضارية الجائعة، وصارت تنافس الإنسان على مقومات البقاء التي اشتركت معه فيها..!

في هذا العام تناقصت المروءة لدى من كنا نظنهم لا تنقص لديهم، رحل النبلاء، تنصّل الرجال الذين كنا نظنهم، ومن يقم بزيارة لمواقع المياه فسيجد أن الطحالب سمت وارتفعت، وسيعجز عن إيجاد حبة من التوت على الضفاف كما تعود! ومن لم يستطع أن يفعل فإنه سيقابل في كل لحظة طحالب تمد أعناقها عالياً، فتغمر الخبيزة وما كانت الجدات تغني له..!

تكالب الكون على السوري وما عناهم!

صمتت الأصوات التي كانت تشعل سورية خلال عقد.. لا شيء يعنيهم!

يستقبلون الحسان، أو ينتظرهم الغلمان..!

الدفء يتسرب إليهم ويغمرهم من رؤوس أصابع القدمين، وينسون أماً ممددة في قبرها ينهشها البرد، ورطوبة التراب تحصد روحها! ويلفحهم التكييف، ويحسدون الأب الفلاح الذي تهب عليه نسائم الجرود الباردة، فيبدأ كل ما لديه بالسيلان..!

ويهبط آخر من سيارة مكيفة دافئة، يخلع معطف الفرو، فقد ضاقت روحه من الحرارة، وذاك يرقب مدفأة افتقدت ليتراً من الوقود، وذاك تتلألأ الأضواء والأنوار أمام ناظريه، ويغمض عينيه، وربما أمر بتخفيف الإضاءة، بينما يرقب الطالب الجالس على ضوء شمعة بكثير من الحسد، وهو يقول: يا له من مجتهد، إنه يدرس في جو شاعري!

ربما خمّن أن يصبح شاعراً أو مفكراً

عام جديد يغادرنا لا نبحث في بقاياه

لم يأكل الأطفال الحلوى، فهي بعيدة المنال، والأم لا تقدر أن تصنع شيئاً في منزلها، لتقنع الولد الطفل بأن ما تصنعه أكثر نظافة مما هو مطروح في الأسواق، وأكثر صحة لجسده الصغير القابل للتأثر بأي شيء..!

عام جديد مضى وهو يفتح شدقيه هازئاً

الوقاحة صارت علامة للناس

اللصوصية صارت مكسباً.. والرغيف صار ترفاً

ما من واحد منا لم يحاور جده في قبره ويسأله: هل تتخيل؟

مضى عام جديد وذاك يفترش الورق على الرصيف، ويغطي نفسه بكرتون قديم مستعمل وبعد أن كان المارة قبل عقود يقفون أمام جده ووالده، وهما في المكان نفسه، ويسألون عن الحاجة، وربما قضوا له حاجته ليعود إنساناً، صار المارون ينظرون إليه، وربما حسده بعضهم لأنه ينام بحرية!

عن أي شيء في هذا العام نتحدث؟

نتحدث عن انكسار نظر الوالد أمام أسرته وهو يطالبهم أن يغمروا أنفسهم بالأغطية لأنه عاجز عن تحقيق الدفء؟

عن خيبته وهو غير قادر على جلب أقراص من الفلافل لأولاده، لأن الفلافل صار من أكل الذوات؟!

عن أي شيء؟ ماذا نحمل من هذا العام سوى تكشيرة الأنياب..؟

بقي شيء واحد يمكن أن نوصي به وقد نغادر قريباً ألماً ومرضاً وحسرة! يمكن أن نقول لهم: ابق يا ولدي إنساناً.. لن تخسر شيئاً إن كنت إنساناً، التصق بالناس وآلامهم، لا تنسلخ عن ذاتك فإنك عائد إليها، لا تكن كالمترفين واللصوص هنا، ولا تكن كالمتاجرين هناك.. الوطن يا بني يبقى وطناً، ولا تصدق كل المقالات والقصص الساخرة التي تدلك على أوطان مشبعة.. الله والوطن يا ولدي جوهرتان لا تتغيران وإن اختلف الناس في رؤيتها.

أيها العام ارحل.. وفي طياتك نستودع ما سُرق منا ومن أرواحنا وأوطاننا، وسنبقى نحب وطننا، فهو ليس بقرة حلوباً كما يراه الكثيرون، وهو صدر أم لا يصل إلى مستواه شيء في العالم.. حليبه أنقى وإن جفّ.. مشبع وإن لم يعط.. لن نتنكر له، ولن نكون متسولين في قصور خارج حدوده.. إن اختلاف الناس في الحق لا يوجب اختلاف الحق في ذاته.. فمتى يتجلى الحق؟! متى يدرك الناس أنهم ليسوا بخير، فهم يفرحون ببعض المال من ابن مهاجر أو صديق مهاجر، تمرّ الأيام ويظن الناس أنهم بخير!! فمتى ينجلي الحق؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن