ناضل ببندقيته وشعره من أجل حرية فلسطين … رحيل زيتونة فلسطين وقنديلها بعد مسيرة زاخرة بالنضال والشعر
| سارة سلامة
في اليوم الأخير من العام 2021، اختار الشاعر الفلسطيني المحارب والمناضل، رجل الثورة خالد أبو خالد، الرحيل في دمشق عن عمر يناهز 84 عاماً، بعد مسيرة زاخرة بالكفاح والنضال والإبداع، حيث تميز بكتابة القصيدة الطويلة ذات النفس الملحمي، وانعكست تجربة المقاومة فيها وأغنت قاموسه الشعري من جهة، ومن جهة أخرى أغنت رؤيته للواقع، كما أغنت محاولاته للوصول إلى الرؤيا فرأى ما هو بعد ذلك.
والشاعر الكبير خالد أبو خالد، هو كاتب وصحفي وإعلامي فلسطيني، ولد سنة 1937 في سيلة الظهر، والده الشهيد والقائد في ثورة القسام محمد صالح الحمد الملقب بأبي خالد، من فرسان العروبة ولُقّب بالصارية، لم يساوم على ثوابته الوطنية وكانت فلسطين الحبيبة في قلبه ودمه، التحق بالمقاومة الفلسطينية منذ شبابه الأول فكان في طليعة الفرسان، أحب أمته العربية مخلصاً لها ولكل تاريخها وناضل من أجلها حتى يومه الأخير.
محطات في حياته
عاش أبو خالد طفولته وشبابه في ظروف صعبة واضطر للعمل بمهن عديدة، وبعد أن حاز الشهادة الثانوية عمل في الإذاعة والتلفزيون في الكويت وسورية كمذيع ومعد للبرامج نظراً لصوته المميز وإلقائه المعبر وثقافته الواسعة، وبعد وقوع نكسة حزيران 1967 انخرط في العمل المقاوم والفدائي حتى صار قائداً للثورة الفلسطينية شمال الأردن.
دخل أبو خالد بوابة الأدب من رحاب أبي الفنون فأصدر مسرحية بعنوان «فتحي» سنة 1969 ثم توجه إلى عالم الشعر فأصدر أولى مجموعاته بعنوان «قصائد منقوشة على مسلة الأشرفية» سنة 1971 ثم تتالت من بعدها إصداراته لتبلغ اثنتي عشرة مجموعة على مدى أربعين عاماً جمعت كلها ضمن أعماله الكاملة تحت اسم «العوديسة».
كما كان لديه جانب آخر من الإبداع في الفن التشكيلي فترك العديد من اللوحات بالتصوير الزيتي التي سجل فيها أحداثاً من تاريخ فلسطين.
إنتاجه
تولى مسؤوليات ثقافية وأدبية عديدة لعل آخرها سكرتير الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في سورية، وسبق له أن عمل مذيعاً في إذاعة وتلفزيون الكويت، وفي سورية أيضا، ثم التحق بصفوف المقاومة وتحمل مسؤوليات فيها حيث كان قائد قطاع الشمال في الثورة الفلسطينية في الأردن، كما أنه كتب الشعر، ونشر إنتاجه في المجلات والدوريات، وله العديد من المؤلفات منها:
فتحي- مسرحية- عمان 1969، الرحيل باتجاه العودة – قصيدة طويلة- القاهرة 1970، قصائد منقوشة على مسلة الأشرفية- مجموعة شعرية مشتركة- دمشق 1971، وسام على صدر الميليشيا- شعر- بيروت 1971، تغريبة خالد أبو خالد- شعر- بيروت- 1972»، كما ترك وراءه مجاميع شعرية كثيرة، وكان بيت الشعر الفلسطيني في رام اللـه، أصدر أعماله الشعرية الكاملة في ثلاثة أجزاء حملت عنوان «العوديسة الفلسطينية».
ويعتبر من الشعراء الفلسطينيين الذين ابتعدوا عن الأضواء وعاشوا حياة عادية مع أبناء المخيمات الفلسطينية، ومع المقاتلين في خنادقهم، حاملًا هموم الوطن والمقاومة والثورة ونهج التحرير، وأدى دوراً مهماً في بناء قصيدته، التي استعاد فيها صور الأرض والقرى المهجرة والمخيم وصور المناضلين، والموروث الشعبي، وكتب شعره بلغة الناس العاديين، ولم يكن شاعرًا فلسطينيًا فحسب، وإنما شاعرًا عربيًا غنى وأنشد للأمة العربية بروح وخصائص فلسطينية.
اختار المنفى
رحل هذا الشاعر والمقاتل والمؤمن بقضية فلسطين وحق العودة الكاملة إليها محررة، فهو من الذين حملوا السلاح، لكنه لم يعد مع العائدين أيام العودة المنقوصة في 1994 من القرن المنصرم. ولعله عاد ثم اختار المنفى على العيش في وضع متردٍ سيئ وعقيم، ويتميز شعره بالقوة والجزالة والعمق، وكثيرا ما يعتمد على التراث الشعبي في قصائده، يقول أبو خالد عن ذلك «أنا أول من عصرن السيرة الشعبية… أنا مأخوذ بالفنِّ الشعبي».
خالد أبو خالد شاعر عاش المنفى بكل مرارته وبكل قسوته حيث مستقره الأخير في دمشق، وعانى في أعوامه الأخيرة سوء الأوضاع الصحية. رحل بعيداً عن فلسطين وترابها الذي ناضل ببندقيته وشعره من أجل حريتها.
خالد أبو خالد، هو اسمه الحركي، واسمه الحقيقي «خالد محمد صالح الحمد»، أبوه وعمه بطلا التغريبة الفلسطينية، لقد أهملته السلطة في رام الله، ولم يبق له من أحد يلتقيه سوى عدد قليل من أعضاء اتحاد الكتاب الفلسطينيين الذين زاروه في منفاه غير مرة، وشغل منصب سكرتير الأمانة العامة لاتحاد الكتاب الفلسطينيين في سورية.
في وداعه
ونعى الأمين العام لاتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين الشاعر مراد السوداني للوسط الثقافي الفلسطيني والعربي، فارس الثورة وشاعرها المحارب خالد أبو خالد الذي وافته المنية في دمشق عن عمر ناهز الـ(84 عاماً) بعد مسيرة حافلة بالكفاح والإبداع.
وقال في بيان النعي: «يا دمشق مالك الليلة وقد وشّحك السواد، والسماء من فوقك دمعة مالحة لأرض مجروحة مكبلة، كيف لي أن أنعى خالد أبو خالد وأنت رحيمة الودين في فؤاده الفسيح، وأنت بكل ياسمينك طوق يستريح على نعشه المعطر، كيف لي أن أودع الخالد شاعراً وفارساً ما لانت له قناة، ولا ملّ من عناد الأمل بالعودة إلى الوطن المحرر ثابتاً على ثابت فلسطين، كيف لي أن أغلق ألبوم الصور من دون عناق بيني وبينه فوق تلة تطل على بحر عكا قبل المغيب؟».
وأضاف: «ما هذا الحزن الغليظ الكريه لعتبة آخر العام في خطوة أخيرة، نمشيها من دون خالد، كيف لقلوبنا أن تتحمل كل هذا الوجع، والفرات قد وعد اللطرون بصبر لفرج قريب، ويكون لنا مع خالد قسمة أخرى تحت الشمس ليرى بأم عينيه الوطن الكامل في صحن المدى، ويرتاح من المنفى ولا ينهي معه نبضاً دافئاً عاش فيه»، مضيفاً: «حزينة فلسطين في ليلتها هذه، بل الحزن مشفق عليها بما جرحت بغيابك، وما تركت على مائدة الوجود من فراغ وسيع لن تلمّه انشغالات التيه، ولا قبائل الرمل الجائعة».
وكتبت الشاعرة ريم البياتي: «(ياسيد الأغنيات.. سلام من القلب.. بكاء من الجرح.. وصمت هو الآن.. أبلغ من كل هذاالفتات)، سلام عليك وأنت تطير بأجنحة الأناشيد والأغنيات.. سلام على زيتونة فلسطين.. على قنديلها المضيء حينما يترجل الفرسان… تحمحم القوافي وتسلم قيادها لكف الأبد..
خالد أبو خالد… لروحك السلام أيها المضيء)».
وكتبت الشاعرة ليندا إبراهيم: «لروحك السَّكينة والطُّمأنينة والسَّلام… رحلتَ… ورحلت معك «القضية»… أيَّها الكبير».
الممثل محمود خليلي نعاه: «الشاعر الكبير المقاتل خالد أبو خالد وداعاً.. شاعر الكلمة الحرة الشجاعة
إما فلسطين وإما فلسطين، إما أن نكون وإما أن نكون».
الكاتب تليد الخطيب كتب على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك: «عائد من مساء الحروب.. ومن نجمة، في شمال الغروب.. ومن جمرة، في رماد الجنوب.. عائد من رحيلي.. من طرق لا تؤوب.. الشاعر المحارب يستريح أخيراً على طريق العوديسة الفلسطيني الطويل.. وداعاً خالد أبو خالد».
وكتب الممثل تيسير إدريس: «صديقاتي أصدقائي هكذا هي الحياة تفرحنا مرة وتحزننا ألف مرة، الشاعر الفلسطيني الكبير شاعر المقاومة خالد أبو خالد في ذمة اللـه وداعاً».