الحصار الأميركي نال من معيشتهم والانفتاح نحو دمشق اتخذ أولى خطواته … السوريون ودّعوا عاماً صعباً و«الأمل بالنهوض» سلاحهم للعام الجديد
| سيلفا رزوق
أغلق السوريون الباب على عام 2021 الذي كان من أقسى الأعوام عليهم، من جهة تأثيرات الحصار الظالم الذي فرضته الولايات المتحدة والغرب على لقمة عيشهم ونمط حياتهم الذي بات يفتقد لمقومات الحياة مثل الكهرباء والماء ويرافقه اشتداد السعار الإسرائيلي الذي وصل حدود الاعتداء على ساحة الحاويات في ميناء اللاذقية التجاري متسلحاً بالمباركة والدعم الأميركي والصمت الدولي الغائبة شرعيته بالكامل عن تصرفات إسرائيل، وسط عالم متغير تحتدم فيه الصراعات، وتتغير فيه خرائط السطوة والنفوذ، مع استمرار جائحة كوفيد ومتحوراتها التي خيمت ولا تزال على الاقتصاد العالمي، وتسببت حتى الآن بأزمات نقل وشحن دوليين وتضخم كبير في أسعار السلع في كل بلدان العالم.
انتخابات رئاسية تاريخية
وعلى الرغم من الصعاب، شهد عام 2021 إنجازاً وتحدياً كبيراً للسوريين بتنظيمهم التاريخي لانتخاباتهم الرئاسية التي أرسلت من خلال إصرار السوريين على تنفيذ استحقاقاتهم الدستورية، وإقبال المغتربين منهم على الاقتراع، رسائل شديدة الوضوح للأميركي والغربي الذي راهن طويلاً على إفشال الدولة السورية، وشل قدرة مؤسساتها، حيث أكدت انتخابات أيار الفائت التي حقق فيها الرئيس بشار الأسد فوزاً عريضاً بنسبة 95.1 بالمئة، من مجموع أصوات الناخبين داخل سورية وخارجها، على صمود هذه المؤسسات، وقدرتها رغم الحرب المدمرة والاستهداف الممنهج لها على الاستمرار في قيادة البلاد وإعادة بنائها، وهو ما عبر عنه الرئيس الأسد في الكلمة التي وجهها للسوريين عقب الإعلان عن فوزه بالانتخابات بالقول إن ما جرى «كان ظاهرة تحدٍّ غير مسبوق لأعداء الوطن، وتحطيماً لغرورهم وكبريائهم الزائفين».
تداعيات معيشية قاسية لـ«قيصر»
الإجراءات القسرية غير الشرعية التي تتباهى واشنطن وحلفاؤها الغربيون بها، وتحاول عبرها الوصول إلى مآربها السياسية التي فشل إرهابيوها وأدواتهم بالوصول إليها، جعلت شتاء السوريين قارساً وحياتهم قاسية، مع تفاقم الأزمات التي خلفها هذا الحصار الذي قيَد قدرة الدولة على تأمين المشتقات النفطية والكهرباء وحتى الدواء.
الولايات المتحدة وفي محاولة لذر الرماد بالعيون ورفع الحرج الإنساني الذي لحق بها جراء ما تفعله بالسوريين رفعت بعض قيود «قانون قيصر»، وقالت وزارة الخزانة الأميركية إنها وسّعت نطاق التفويض للمنظمات غير الحكومية العاملة في سورية، حيث سمح التعديل الجديد للمنظمات بالمشاركة في المعاملات والأنشطة الإضافية، غير الهادفة للربح، والتي تشمل: القيام باستثمارات جديدة في سورية، شراء المنتجات البترولية المكرّرة السورية لاستخدامها في سورية، القيام ببعض المعاملات مع عناصر من الحكومة السورية، كما يخوّل التعديل الأميركي المؤسسات المالية معالجة تحويلات الأموال لدعم الأنشطة المذكورة.
هذه التعديلات التي وصفها وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد في آخر لقاء تلفزيوني أجراه في نهاية كانون الأول الفائت بـ«الشكلية»، لم تحدث أي تأثير اقتصادي يذكر، ولاسيما مع بقاء القيود على التحويلات المصرفية والمخاوف التي فرضتها السطوة الأميركية على الشركات والمنظمات الأممية، والتي لا تزال تعوق تحركاتها حتى الإنسانية منها، ليترك السوريون وحدهم في مواجهة عقوبات قاسية، أثرت في أبسط تفاصيل حياتهم.
العدوان الإسرائيلي يتمدد
لم تتوان إسرائيل عن استغلال المساحة الدولية التي منحتها إياها الأمم المتحدة الصامتة عن اعتداءاتها والضوء الأخضر الأميركي الساعي لحصد نقاط سياسية جراء هذه الاعتداءات، والتي استهدفت نقاطاً عديدة داخل الأراضي السورية، وسط تصدٍ مستمر لقوات الدفاع الجوي السورية، التي منعت الغالبية العظمى من صواريخ العدوان من تحقيق أهدافها.
اليد الإسرائيلية الغاشمة امتدت صوب ميناء اللاذقية التجاري أحد شرايين الحياة للسوريين، ونفذت عدوانين خلال شهر، محتمية بالطائرات العسكرية الروسية التي تستخدم مطار حميميم، للهروب من الدفاعات الجوية السورية، وهو ما أكده بيان وزارة الدفاع الروسية في البيان الذي صدر عنها عقب الاعتداء الأخير.
هذه المحاولات الإسرائيلية المستميتة لاستغلال فترة السماح الأميركية، وارتفاع وتيرة همجيتها، بدت أنها مرتبطة بملفات التفاوض الأميركي الإيراني في «فيينا» حيث تستميت إسرائيل في محاولاتها لمنع التوصل إلى أي تفاهمات تعتبر أنها لن تراعي مشاريعها العدوانية في المنطقة.
الانفتاح العربي على سورية
سجل عام 2021 بداية انفتاح عربي رسمي جدي على سورية، عبر عنه الإعلان عن إعادة العمل بخط الغاز العربي الذي دفع بوفد وزاري لبناني لزيارة دمشق في الرابع من أيلول الماضي ولقاء وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، حيث رحبت دمشق بالطلب اللبناني لاستجرار الطاقة عبر أراضيها، أما الأردن الجار الجنوبي فقد بدا الأكثر إلحاحاً لاستعادة العلاقات بين الجانبين، وأعلن في نهاية أيلول الفائت عن فتح الحدود بالكامل بين البلدين، في مؤشر على حصول تفاهمات ومتغيرات دولية غير معلنة أدت لهذه الخطوة، كما شهدت العاصمة الأردنية عمان اجتماعاً وزارياً سورياً أردنياً موسعاً ضمَ من الجانب السوري وزراء الاقتصاد والتجارة الخارجية، والموارد المائية ، والزراعة، والكهرباء.
كذلك شهدت العاصمة الأردنية لقاءات أمنية وعسكرية رفيعة بين البلدين جمعت وزير الدفاع العماد علي أيوب، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية اللواء يوسف الحنيطي، لتتوج خطوات استعادة التقارب بين البلدين بالاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس بشار الأسد في الثالث من تشرين الأول الفائت مع العاهل الأردني عبد الله الثاني الذي أكد دعم بلاده جهود الحفاظ على سيادة سورية واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها.
الخطوة الأردنية لحقتها خطوة إماراتية لافتة، ورغم أن العلاقات بين البلدين لم تسجل طوال فترة الحرب على سورية أي انقطاعات تذكر، غير أن أبو ظبي اختارت التعبير عن عمق علاقات البلدين ورغبتها في تطويرها من خلال الزيارة التي قام وزير الخارجية والتعاون الدولي عبد الله بن زايد آل نهيان في التاسع من تشرين الثاني الماضي إلى دمشق حيث استقبله الرئيس بشار الأسد الذي كان أجرى اتصالاً في العشرين من تشرين الأول مع ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة محمد بن زايد آل نهيان.
دلالات الانفتاح على سورية تجلت بصورة أوضح خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث سجلت الدبلوماسية السورية المتمثلة بوفدها الرسمي الذي ترأسه وزير الخارجية فيصل المقداد عشرات اللقاءات الدبلوماسية منها لقاءات شملت تسعة وزراء خارجية عرب وهي المساحة الزمنية التي أتيحت للوفد وفق ما صرح المقداد في مقابلة أجراها مع «الوطن» والذي كشف أنه كانت هناك نية للاجتماع أيضاً بوزراء خارجية عرب آخرين، وبأن الأجواء الدولية كانت أقل عدائية تجاه سورية في هذه الدورة.
كثافة التصريحات والتحركات العربية التي شهدتها أشهر العام الفائت الثلاثــة الأخيــرة، والتــي أكدت أن الانفتاح قادم لا محالة، عادت «وضبطتها» الأجندة الأميركية العدائية التي فرضت نفسها من جديد على المشهد الــذي أبطـأ نســبياً خطوات التطبيع المتواترة، لتأتي الخطوة البحرينية في نهاية كانون الأول الفائت عبر تعيينها سفيراً مفوضاً فوق العادة في دمشق لتعيد الزخم من جديد لهذه التحركات، المضبوطة حتى اللحظة وفقاً للإيقاع الأميركي.
الميدان ثابت والمصالحات عنوان المرحلة
بالإمكان تسمية عام 2021 بعام المصالحات التي سجلت دخول مناطق الجنوب كاملة في درعا وريفها إلى حضن الدولة، ووصلت وحدات الجيش العربي السوري إلى كل نقاطها الجنوبية، كما أعلن الآلاف من أهالي هذه المنطقة تسوية أوضاعهم، لتلحقها دير الزور المستمرة حتى اللحظة في التسويات والتي سجلت هي الأخرى تسوية أوضاع عشرات الآلاف من المواطنين.
التحرك باتجاه التسويات واستعادة المزيد من الأراضي السورية عبر المصالحات وازاه ثبات في خطوط الميدان التي بقيت رهينة تفاهمات مخرجات «أستانا» واتفاقيات خفض التصعيد، رغم المحاولات التركية المستميتة لتغيير خطوط التماس.
جبهات الشمال التي شهدت محاولات لإرهابيي النظام التركي تحقيق خروقات فيها لاقت ردوداً سريعة من وحدات الجيش العربي السوري، التي منعت أي تمدد إرهابي جديد، لتبقى هذه الجبهات رهينة التفاهمات التركية الروسية والتي وجهت انتقادات معلنة لأنقرة لامتناعها عن تنفيذ ما وقعت عليه من اتفاقات مع موسكو بخصوص الانسحاب من الطريق الدولي المعروف بـ«m4».
أما مناطق شرق الفرات، فظلت حبيسة تبعية الميليشيات المسيطرة هناك للقرار الأميركي الذي وقف في وجه إجراء أي حوار مع دمشق رغم المرونة التي أبدتها الدولة السورية، من خلال حديثها عن تطبيق قانون الإدارة المحلية، والسماح بتدريس اللغة الكردية في المدارس السورية، غير أن قرار الميليشيات بقي في يد واشنطن، التي حزمت حقائبها من أفغانستان وتستعد لفعل الأمر ذاته في العراق، فيما تصر على تعزيز وجودها غير الشرعي في سورية.
الصراع الدولي على أشده وإغلاقات كورونا تتواصل
الميدان السوري شــكل في جانـــب منـــه أحـــد انعكاسات الصراع الدولي المتفاقم على خلفية تغير التوازنات الدولية وميلها في غير مصلحة المحور الأميركي.
إغلاقات كورونا تواصلت، والصراع مع الفيروس امتد ليشمل «أوميكرون» الذي أعاد العالم للمربع الأول، ودفع بالحكومات لاتخاذ قرارات بفرض اللقاح بصورة إلزامية، ومعه اتباع إجراءات صحية أكثر صرامة، على أمل أن يحمل هذا العام بشرى الخلاص من الفيروس الذي شكلت ارتداداته الاقتصادية أحد أكثر التحديات الدولية خطورة، ودفعت بالعالم نحو الركود هو الأخطر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
انشغال العالم بحربه على «كورونا»، فاقم من الصراع الدولي المحتدم أصلاً على خلفية مقاومة واشنطن لتغير التوازنات الدولية، ورفضها وجود شركاء دوليين على الساحة، الأمر الذي انعكس بشكل صراعات خلفية عبرت عنها جبهة أوكرانيا حيث يحاول الناتو التحرش بخطوط روسيا الحمراء، والتي بدورها بدت واضحة في استعدادها بالذهاب لحماية أمنها القومي نحو النهاية، الأمر الذي دفع برئيسي البلدين ورغم عطلة الأعياد لإجراء اتصال هاتفي يهدئ الأجواء الدولية الساخنة، على أمل أن يفضي اجتماع جنيف بين الجانبين المزمع انطلاقه في العاشر من الجاري لتفاهمات تبرد الرؤوس الحامية في الإدارة الأميركية.
لكن محاولات تبريد الأجواء مع روسيا، لا يبدو أن الإدارة الأميركية على استعداد لاتخاذ خطوات مماثلة لها مع الصين، التي واصلت واشنطن محاولاتها للتدخل في شؤونها الداخلية، مستعيدة مفردات أميركية عفا عنها الزمن، عبر تنظيمها في التاسع من الشهر الفائت مؤتمراً افتراضياً جمع نحو مئة دولة حمل عنوان «مؤتمر الديمقراطية»، بدا أنه محاولة أميركية بائسة لمواجهة الصين الصاعدة، عبر تقسيم العالم المنهك من حروب واشنطن الفاشلة باسم «نشر الديمقراطية» إلى عوالم أميركية وغير أميركية، الأمر الذي رفضته بكين «التي وصفت الديمقراطية بأنها أصبحت منذ فترة طويلة سلاح دمار شامل تستخدمه الولايات المتحدة للتدخل في الدول الأخرى»، متهمة الرئيس الأميركي صراحة بتأجيج الانقسامات الإيديولوجية الموروثة من الحرب الباردة.
على موعد مع الأمل
ومع انتهاء العام الأكثر صعوبة وتعقيداً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، يستقبل السوريون عامهم الجديــد، متســلحين كعادتهم بالأمل والإصرار على تجاوز المحنة، ويدهم القادرة على البناء ممــدودة للجميع، في عالم تحتدم فيه الصراعات وصولاً لرسم ملامحه وخرائط نفوذه الجديدة، التي تفرضها متغيرات وتوازنات العالم في العام الجديد.