عام 2022 يأخذنا إلى دائرة التوقعات،والاستشراف عملية ليست سهلة تتطلب التوقف أمام احتمالات وفرضيات، وتحليل الأحداث، وتقدير وتوقع لنتائج التحليل؛ لا يمكن معرفة، على وجه اليقين، ما الذي يخبئه المستقبل لكن ملامح التوجهات العالمية العامة بدأت بالظهور وسنحاول قراءة توقعات 2022 المرشحة أن تكون سنة مضطربة وقلقة اقتصادياً وسياسياً، لاستمرار عناصر عدم الاستقرار، وهناك سيناريوهات مختلفة للاقتصاد العالمي في سنة 2022.
من المتوقع ارتفاع معدلات التضخم وهبوط أسعار السلع الأساسية مثل النفط، الذي سيتفاعل سلباً مع تداعيات فيروس كورونا ومخاوف انتشار متحور أوميكرون، الذي سيتصدر المشهد العالمي سنة 2022 على الصعيد الصحي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والذي يثير الذعر والقلق في أوساط العالم.
سيكون عام 2022 عاماً صعباً على الصعيد الاقتصادي، وسيستمر الهمّ الأكبر الذي يسيطر على أذهان الناس ونفسياتهم وأمانهم، وهو انتشار فيروس كورونا، المعطل لعناصر الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في العالم، ويعتبر الوقت مبكراً لإصدار حكم نهائي بشأن المتحور أوميكرون الذي يبدو أسرع انتشاراً، وقد يؤدي إلى انتكاسة التعافي الاقتصادي في أنحاء العالم بالمقابل كونه أقل خطورة من حيث معدلات الوفاة. يمكن أن يسمح بعودة الحياة إلى شبه حالتها قبل الجائحة.
عام 2021، كانت السمة الأساسية للاقتصاد هي التضخم المرتفع وغير المستقر، وآثاره الواضحة والصريحة، وتفاعل معها أكثر من بنك مركزي مهم حول العالم برفع معدلات الفائدة ليتجاوب مع وضعية اقتصادية حرجة وسيستمر في العام الجديد.
بموازاة ارتفاع التضخم «سوف تضطر البنوك المركزية الكبرى لرفع سعر الفائدة في الربع الثاني أو الثالث من العام، وسنرى تقلبات وتذبذبات بأسواق المال، ومن الممكن أن يحدث انخفاض في النمو العالمي، قد يصل إلى حد الركود في الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يضغط التضخم على الاقتصادات وقد تواجه الدول مشاكل أكبر في السيطرة على ارتفاع الأسعار محلياً.
علماً أن التضخم، تجاوز مستويات غير مسبوقة منذ ثلاثة عقود في أميركا وتبقى المخاطر المتوقعة في 2022 مرتبطة بمدى وقدرة البنوك المركزية على التحكم في الاقتصاد العالمي وأسواق المال.
أزمات العملات وأداؤها السيئ، سيؤثر سلباً في الاقتصاد في بعض دول الشرق الأوسط وعلى سلامة قدرات الإمداد الطبي والغذائي لهذه الدول، وفي الولايات المتحدة الأميركية من المتوقع أن يستمر تباطؤ التعافي الاقتصادي، وذلك بسبب تزايد حالات الإصابة بالجائحة بشكل كبير ويحذر الخبراء من أن يؤدي إقدام مجلس الاحتياط الاتحادي الأميركي على زيادة أسعار الفائدة إلى ضربة قوية للأسواق الصاعدة. ويؤدي عادة إلى ارتفاع سعر الدولار وخروج الاستثمارات المالية، وربما إلى أزمات عملة في الاقتصادات النامية.
انهارت أسعار النفط العالمية بأكثر من 10 بالمئة أواخر عام 2021 بعد أن أثارت سلالة أوميكرون المخاوف من أن تجدد فرض إغلاقات عامة سيهدد تعافياً عالميا للطلب، ويعزز المخاوف من تضخم فائض المعروض العالمي في الربع الأول من عام 2022 مع زيادة نسب البطالة، وارتفاع الديون.
تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن معدلات النمو ستصل إلى 4.9 بالمئة خلال العام 2022، مقارنة بنسبة نمو مقدارها 5.9 بالمئة في 2021.
ثمة عوامل إيجابية للأداء الاقتصادي في العام 2022، منها زيادة نسب الحاصلين على اللقاحات، وقد يشهد النصف الثاني من 2022 تحسناً أوضح، لتتسارع وتيرة النمو مع عودة الحياة وحركة النقل والسياحة العالمية، واستقرار نسبي في الأسعار.
من النقاط الإيجابية في عام 2022: وفرة السيولة النقدية لدى المستهلكين بفضل ارتفاع معدلات الادخار أثناء فترات الإغلاق، واحتمال تمديد الحكومات لبرامج التحفيز الاقتصادي، واستمرار اعتماد بعض الدول لميزانيات توسعية ERTISI.
ستلقي التوترات الجيوسياسية العالمية في عام 2022، بظلالها على المشهد العالمي وستكون مع تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية..
قالت مجلة “الايكونوميست” البريطانية، إن الولايات المتحدة والصين تمثلان معاً 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لكن هذين العملاقين يؤثران في الاقتصادات الأخرى، والواقع أن التنافس والصراع بينهما سينعكس على الاقتصاد العالمي، كما أن استمرار العقوبات الاقتصادية الغربية الظالمة على بعض الدول وفي مقدمتها سورية، ستزيد من معاناة الشعوب وتشكل وصمة عار تلطخ وجه مدعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
كما أن التوترات بين روسيا وأوكرانيا يمكن أن تدفع أسعار الغاز الطبيعي إلى الارتفاع، ومع الاضطرابات الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي، قد تواصل أسعار الغذاء العالمية ارتفاعها، ولا تتحرك كل المخاطر الاقتصادية في اتجاه واحد، ففي حين يمكن أن يؤدي تفشي موجة جديدة من الجائحة إلى تضرر قطاع السفر على سبيل المثال، فإنه سيؤدي في الوقت نفسه إلى تراجع أسعار النفط.
الأزمة الحالية مرتبطة بالعنصر الأهم في العملية الإنتاجية وهو الإنسان، فسيظل خطر تفشي الوباء واستمراره عاملا رئيسيا في تهديد مسارات الاقتصاد العالمي، وأخيراً فإن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية خلال العام المقبل يمكن أن يؤدي إلى موجة اضطرابات سياسية واجتماعية عنيفة، فالجوع يؤدي تاريخياً إلى اضطراب اجتماعي، وقد أدت تداعيات كورونا والطقس السيئ إلى ارتفاع أسعار الغذاء في العالم لمستويات قياسية ويمكن أن يستمر ارتفاعها خلال عام 2022 الذي يأتي مع احتمالات مختلفة.
ربما يكون 2022 أقل خطورة على صحة الانسان من 2021، لكنه قد يكون أكثر خطورة على ميزانية الأسرة، وفي الخلاصة فإن عام 2022 فيه القليل من الإيجابيات والكثير من التحديات!