رياضة

كأس إفريقيا بطولة التحديات والوحوش الضارية … الكاميرون تستضيف النسخة الثالثة والثلاثين بمشاركة 24 منتخباً .. نجوم القارة السمراء بنكهة أوروبية يزيّنون الحدث

| خالد عرنوس

بعد جدال كبير وأخذ ورد وتوقعات بالإلغاء أو التأجيل أو حتى نقل مباريات البطولة جاء القرار الحاسم بإقامة منافسات كأس الأمم الإفريقية بنسختها الثالثة والثلاثين كما كان مقرراً لها بين التاسع من الشهر الحالي والسادس من شباط القادم على أرض الكاميرون التي سحبت من الاستضافة في النسخة الأخيرة وأقيمت في مصر ما جعل الكاميرون تقاتل دفاعاً عن حقها في تنظيم البطولة للمرة الثانية بتاريخها وخاصة اللجنة المنظمة وعلى رأسها رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم صامويل إيتو، ويشارك في البطولة القادمة 24 منتخباً للمرة الثانية وقسمت هذه المنتخبات إلى 6 مجموعات بحيث يتأهل 16 منتخباً إلى الدور الثاني يلعبون بطريقة خروج المغلوب حتى النهائي.

بطولة التحديات

لم تواجه البطولات القارية للمنتخبات جدالاً أكثر من كأس أمم إفريقيا وخاصة خلال العقدين الأخيرين لأسباب عديدة تتعلق بمعظمها باللاعبين الأفارقة المحترفين بكثرة في الأندية الأوروبية، فمنذ قانون بوسمان وبروز لاعبي القارة الصفراء في كبريات الأندية والمحاولات لم تتوقف لنقل توقيت البطولة من فصل الربيع أو الشتاء (فيما بعد) إلى فصل الصيف لأن البطولة كانت تضطر الأندية للتخلي عن لاعبيها بغية المشاركة في العرس الأسمر وقد نجحت مؤخراً في تحقيق هذا الهدف فأقيمت النسخة الثانية والثلاثين صيفاً لكن وباء كورونا والتأجيلات التي أصابت البطولات الكبرى أجبر الاتحاد الإفريقي على إقامة النسخة الحالية في هذا التوقيت للحاق بتصفيات المونديال ثم تصفيات النسخة القادمة من البطولة ذاتها لاسيما أنها مقررة في صيف 2023.

الأمر الآخر والذي لا يقل أهمية هو حث الاتحاد الإفريقي على إقامة البطولة كل أربع سنوات بدلاً من سنتين كما هو الحال وهو مطلب بدأ أوروبياً وبات عالمياً بعد التدخل الأخير للفيفا عبر رئيسه إنفانتينو الذي قدم طلباً رسمياً بهذا الخصوص لكن عناد الأفارقة أفشل الخطة حتى الآن، وعلى هذا الصعيد فهناك قصة تحدّ قديمة بين الاتحاد الإفريقي واليويفا، فقبل 10 سنوات كانت هناك مطالبة بإقامة البطولة في الأعوام الفردية لكي لا تتصادم مع أعوام بطولات المونديال واليورو والأولمبياد وبالفعل استجاب الأفارقة يومها لهذا الطلب بعد نسخة 2012 لكنهم لم ينتظروا ثلاثة أعوام بل أقيمت البطولة في العام التالي 2013 وأقيمت تصفياتها على عجل وهكذا كان فأصبح موعد البطولة في السنوات الفردية.

أصل الحكاية

في حزيران عام 1956 حضر اجتماعات الاتحاد الدولي لكرة القدم في العاصمة البرتغالية لشبونة وكان ضمن الحضور ممثلون عن اتحادات مصر والسودان وجنوب إفريقيا عن القارة السمراء وعلى هامش هذه الاجتماعات اتفق هؤلاء وكان عددهم 7 أشخاص على تأسيس اتحاد قاري يجمع اتحادات القارة التي يرزح معظمها تحت نير الاحتلال أو الانتداب الأوروبي ومن ثم إنشاء بطولة تضم منتخبات القارة، وبالفعل اتفق على إقامة النسخة الأولى من هذه البطولة في السودان مطلع العام التالي وهكذا كان فقد أقيمت البطولة بمشاركة كل من إثيوبيا والسودان ومصر وانسحبت جنوب إفريقيا (أو أبعدت) بعد إصرارها على مشاركة فريق من البيض فقط بسبب سياسة الفصل العنصري لتبتعد عن المشاركات الكروية القارية حتى منتصف التسعينيات.

وحققت البطولة نجاحاً جيداً فتقرر إقامتها كل سنتين فجرت النسخة الثانية في مصر 1959 وارتفع العدد في الثالثة عام 1962 إلى أربعة منتخبات ثم إلى ستة بعد عام في النسخة الرابعة واستقرت عند 8 منتخبات منذ النسخة السادسة عام 1968 وحتى نسخة عام 1990 علماً أن البطولة تضمنت المباريات الإقصائية منذ الثالثة، ومع ازدياد الدول المستقلة وزيادة المنتخبات الإفريقية والتي استعانت بعضها باللاعبين الناشطين في بعض الأندية الأوروبية ما استقطب وسائل إعلامها وجاءت الكرة الذهبية التي منحتها مجلة فرانس فوتبول منذ عام 1970 لأفضل لاعب إفريقي لتتسع رقعة الاهتمام بالبطولة وخاصة كذلك مع عودة المنتخبات الإفريقية إلى المونديال.

إعلام ونجوم

وجاءت نتائج منتخبي الجزائر والكاميرون وقبلهما تونس في المونديال لتجذب أنظار الإعلام الأوروبي والعالمي نحو القارة السمراء المنجم الكروي الذي يمكن تحويل مواهبه الفطرية إلى نجوم حقيقيين وزاد الاهتمام بالبطولة وزادت رقعة المتابعين مع ظهور عدد من لاعبي الأندية الفرنسية والبلجيكية والهولندية في البطولة، وقد زاد العدد مع إنشاء العديد من المدارس الأوروبية الكروية في بعض الدول الإفريقية لتتسع رقعة اللاعبين الأفارقة في الأندية الكبيرة وتزداد أهميتهم، وفي التسعينيات ظهرت مواهب فذة كجورج ويا وقبله عبيدي بيليه وروجيه ميلا ورابح ماجر وسواهم ليصبح مثل هؤلاء بيضة قبان في أنديتهم، ومع قانون بوسمان وسهولة قوانين التجنيس زاد عدد لاعبي القارة السمراء بإطراد ومعهم الاهتمام باللعبة على المستوى المحلي فرفع عدد المنتخبات المشاركة في كأس الأمم ليصبح 12 عام 1992 ثم 16 عام 1996 الذي شهد عودة جنوب إفريقيا وزيمبابوي.

وشهدت بطولات كأس العالم زيادة حصة القارة الإفريقية مع رفع عدد المنتخبات إلى 24 ثم إلى 32 منتخباً وباتت كأس إفريقيا متابعة تلفزيونيا ووصلت إلى القمة لتكون وجبة كروية شهية بين الفرق التي تحمل في معظمها ألقاباً لوحوش القارة وكذلك أضحت فرصة لعرض البضائع الرائجة من المواهب الكروية التي تعج بها القارة، ومع اعتماد الكثير من الأندية الأوروبية على اللاعبين المهاجرين منها طلباً لفرصة الظهور أصبحت تلك الأندية تطالب بتغيير موعد البطولة ومحاولة حرمان المنتخبات من لاعبيها الذي باتوا ركائز أساسية في صفوفها وبالتالي لا يمكن الاستغناء عنهم لوقت طويل خلال الموسم الأوروبي الطويل ولذلك فقد مارست هذه الأندية ضغوطاً هائلة على اتحاداتها واتحادها القاري من أجل إقامة البطولة في الصيف وهو ما استجيب له في عام 2019.

مشاكل وهموم

32 نسخة من البطولة أقيمت ما بين 1957 و2019 وشهدت الكثير من الأحداث بحلوها ومرّها ووقعت البطولة تحت ضغوط كثيرة ومنها سوء الخدمات في بعض الدول الخارجة حديثاً إلى الحرية من عباءة الاحتلال وكذلك واجهت المنتخبات مشاكل عديدة في التنقل وخاصة في البدايات وما زالت بعض المشاكل اللوجيستية تحول دون استضافة بعض الدول لهذا الحدث لاسيما أن معظم أقطار القارة مازالت تعيش تحت حكم أنظمة لا تتمتع بالديمقراطية وتعيش على وقع الانقلابات العسكرية وأسند التنظيم إلى دولتين كما حدث عام 2000 و2012، وهاهي الكاميرون تعجز أن تكون جاهزة لاستضافة النسخة الماضية على الرغم من الوقت الطويل منذ إسناد المهمة لها لتكون مصر البديل الجاهز قبل أن تعود البطولة بنسختها الحالية إلى الكاميرون مع بعض الشكوك التي رافقت جاهزيتها للحدث.

ولم يكن الحدث الأول فعلى سبيل المثال سحب «كاف» تنظيم البطولة عام 1996 من كينيا ومنحها لجنوب إفريقيا التي كانت عائدة للتو إلى حضن الاتحاد وهكذا كان، إلا أن الأمور لم تجر كما اشتهى الكاف فقد انسحب منتخب نيجيريا البطل يومها من النهائيات إثر خلاف سياسي بين رئيسها ونيلسون مانديلا رئيس جنوب إفريقيا ليتم حرمان النسور المحلقة أيامها من المشاركة في النسخة التالية.

طمع النجوم والاحتراف

شكل حضور النجوم المتألقين في القارة الأوروبية للبطولة عاملاً مهماً في زيادة نسبة المشاهدة والتي باتت محط اهتمام كبريات الشركات التلفزيونية العملاقة مثلما كان مهماً وجود هؤلاء مع أنديتهم، وقد تسبب بعض هؤلاء في الضغط على اتحاداتهم المحلية في أوقات عصيبة كادت تطيح بالبطولة أو تضع المنظمين والمنتخبات ذات الصلة تحت الضغط، فعلى غرار ما فعل لاعبو منتخبات نيجيريا والكاميرون وغانا وغيرهم في بطولات كأس العالم عندما هددوا بعدم خوض المباريات قبل قبض مستحقاتهم من المكافآت والأجور وقد تكرر الأمر في البطولة من عدد آخر من اللاعبين من هذه الدول وغيرها، كما فعل العديد من لاعبي زيمبابوي وغينيا بيساو في نسخة 2017 وكذلك لاعبو زيمبابوي والكاميرون قبل نسخة 2019 وقد اضطر الاتحاد الإفريقي والدولة المنظمة إضافة لتدخل من أعلى المستويات في الدول المذكورة لفض الاشتباك وحل الأمور لتعود إلى نصابها، ويبدو أنها عادة إفريقية لازمت جل البطولات الكبرى.

سجلات التاريخ

14 بطلاً توجوا بالنسخ الـ32 التي أقيمت حتى الآن أولاها فاز المنتخب المصري بالكأس مرتين متتاليتين وقد رفع الألقاب إلى ثلاثة عندما استضاف النسخة الخامسة عشرة وانتظر الحادية والعشرين ليظفر باللقب الرابع قبل أن يبسط سيطرته ويتوج بثلاثة ألقاب متتالية بين 2006 و2010 رافعاً رصيده إلى 7 ألقاب في صدارة الدول الفائزة باللقب ووحده المنتخب المصري الذي توج بالجائزة التي حملت ثلاثة كؤوس مختلفة، فالكأس الأولى حملت اسم عبد العزيز سالم أول رئيس للاتحاد الإفريقي وفي بطولة 1980 قدم الاتحاد الكأس الجديدة تحت مسمى كأس الوحدة الإفريقية أما الثالثة فكانت الكأس الحالية والتي قدمت في عام 2000 ومازالت حتى الآن وتحمل اسم كأس الكاف.

وتوجت الكاميرون باللقب في خمس مناسبات منها اثنتان في الثمانينيات وجاء لقبان منها على حساب نيجيريا 1984 و1986 وبينهما خسر النهائي أمام مصر ثم توج بلقبين متتاليين 2000 و2002 ثم عاد وتوج بلقب 2017 على حساب مصر بالذات التي حرمت الأسود غير المروضة من لقب سادس عام 2008.

وبأتي المنتخب الغاني بالمرتبة الثالثة بواقع أربعة ألقاب آخرها قبل أربعة عقود 1982 وسبق أن توج عامي 1963 و1965 ثم أصبح أول من يتوج باللقب ثلاث مرات عام 1978 علماً أنه خسر النهائي في 5 مناسبات أخرى، وتوج المنتخب النيجيري بثلاثة ألقاب أعوام 1980 و1994 و2013 ويعتقد الكثيرون أن الانسحاب من بطولة 1996 والحرمان من المشاركة عام 1998 حرم النسور الخضر من الهيمنة على البطولة في ذلك العقد.

وتوج ثلاثة منتخبات باللقب مرتين أولهما الكونغو الديموقراطية 1968 و1974 ثم ساحل العاج 1992 و2015 وآخرها الجزائر 1990 و2019، وتوج باللقب مرة واحدة كل من: إثيوبيا 1962 والسودان 1979 والكونغو 1972 والمغرب 1976 وجنوب إفريقيا 1996 وتونس 2004 وزامبيا 2012.

وقد شهدت البطولة الكثير من الأرقام الغزيرة والأحداث المثيرة وبرز الكثير من النجوم والمواهب التي شغلت أوساط القارة وامتدت إلى القارة العجوز التي شهدت وما تزال تألق الكثيرين منهم، وسنكون في حلقة قادمة مع أهم هذه الأرقام المسجلة في البطولة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن