قضايا وآراء

الأزمة وعنق الزجاجة

| منذر عيد

من الجنون بمكان، الحديث عن إمكانية إعادة عقارب الساعة في سورية إلى بداية الأزمة، وضرب من المحال أن تتمكن قوى العدوان التي افتعلت تلك الأزمة في القيام بذلك، فإنجاز الجيش العربي السوري، والقوات الحليفة، وصمود الشعب السوري، عبر عشر سنوات، لم يكن منّة من أحد أو هبة يمكن استعادتها من جديد، بل كان بفعل الإرادة، والتمسك بعدالة القضية، وإيمانا بالحق، وإذا كان لا بد من حديث في المرحلة القادمة، فهو حول بداية نهاية الأزمة، فالمؤشرات كانت كثيرة في نهاية العام الماضي، والأحداث الساخنة في الأيام الأولى من العام الجديد ليست سوى صعاب الانفراج، وبلوغ الأمور عنق الزجاجة، ونهاية السنوات العجاف، فالنار تستخدم علاجا في كثير من الأمراض، حيث تقول العرب «آخر الدواء الكي».

بدأ العام الجديد أول أيامه في الميدان السوري، من إدلب إلى الشمال الشرقي، بالضغط في الأولى، وجس النبض في الثانية، عبر رسائل نار، تناوب على إرسالها كل من القوات الروسية، باستهداف مقرات وتجمعات التنظيمات الإرهابية الموالية للنظام التركي في إدلب، ورسائل جس نبض أرسلها الاحتلال التركي إلى الجانب الروسي والاحتلال الأميركي، عبر قذائف العدوان التي استهدف بها تل تمر بريف الحسكة الشمالي الغربي وعين عيسى شمال الرقة، في تأكيد منه بأن عينه الاستعمارية ما زالت ترقب الفرصة السانحة لاحتلالهما.

رسائل الضغط الروسية في إدلب هدفها إجبار النظام التركي على تنفيذ التزاماته التي أبرمها رئيسه رجب طيب أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ 2020 وما نتج عنها من إنشاء منطقة «خفض تصعيد» في إدلب، بما يحتّم على أنقرة إخراج المجموعات المدرجة على قائمة الإرهاب وعلى رأسهم تنظيم «جبهة النصرة» إضافة إلى سلسلة بنود لم ينفذ النظام التركي «ضامن» المجموعات الإرهابية، أياً من بنود تلك الاتفاقات، الأمر الذي تسبب بامتعاض الجانب الروسي، وعبر عن ذلك المسؤولون الروس في كل مناسبة يتم الحديث فيها عن الأزمة السورية، بأن التهديد الإرهابي لا يزال قائماً في مناطق خفض التصعيد في إدلب، وهو ما أعرب عنه مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في افتتاح اجتماع أستانا في الحادي والعشرين من الشهر الماضي حينما أكد أن النظام التركي لا ينفذ التزاماته بالكامل بموجب الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين الرئيسين الروسي والتركي في آذار عام 2020، وأن بلاده تسعى لاتخاذ خطوات لتصحيح هذا الوضع المتمثل بتنفيذ النظام التركي لالتزاماته، الأمر ذاته أكد عليه الاجتماع الدولي الـ17 حول سورية بـ«صيغة أستانا» وهو الالتزام القوي بسيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، وشدد على مواصلة العمل المشترك لمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومسمياته فيها، وضرورة التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات بشأن منطقة «خفض التصعيد».

مضامين الرسائل الروسية يبدو أنها بلغت أهدافها، وأدرك كل من النظام التركي، والتنظيمات الإرهابية إصرار الجانب الروسي على ضرورة إخلاء «خفض التصعيد» من الإرهاب، فذهب النظام التركي إلى تصعيد مقابل في شمال شرق سورية، بريفي الحسكة والرقة، في خطوة تشكل هروباً إلى الأمام، ومحاولة لكسب المزيد من الوقت، والضغط على الجانب الروسي والحكومة السورية، من خلال تصعيد عدوانه على تل تمر وعين عيسى، ليكون مبدأ «واحدة مقابل واحدة»، بمعنى لجم الإرهاب في إدلب، مقابل الحصول على مكاسب في ريفي الرقة والحسكة، بما يحد من خطر ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» على الاحتلال التركي.

إضافة إلى النظام التركي، فإن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي بزعامة المدعو أبو محمد الجولاني، أدرك أيضاً مغزى رسائل النار الروسية، فذهب مسرعاً، لتبديل مظهره الخارجي عبر محاولة خلع ثوبه الإرهابي وارتداء ثوب الاعتدال، ظناً منه أنه يمكن الإفلات من العقاب على ما ارتكبه من إجرام وقتل وتدمير في الأرض السورية، حيث ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن ما يسمى: «هيئة تحرير الشام» التي تستخدمها «النصرة» غطاء لها، كانت براغماتية، إذ إنها أدركت حاجتها إلى حاضنة اجتماعية محلية وإلى اعتراف دولي بها، ولذلك بدأت باستخدام خطاب معاد للتطرف والإرهاب، الأمر الذي فشلت به سابقاً، وستفشل حالياً كما تشي جميع المعطيات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن