من دفتر الوطن

«آيات».. وحديث!

| فراس عزيز ديب

في إحدى الامتحانات الشفهية لمادة القانون الجنائي، سأل الأستاذ طالبه:

تبلغت الشرطة بشبهةِ انتحار شخصٍ في منزلهِ، وعندما وصلَت وجدت رجلاً ميتاً برصاصتين في الرأس وبجانبه مسدَّس، ما دور المدعي العام في هذهِ الحالة؟

ابتسم الطالب بعد أن شعرَ بأن هناك فخَّاً وأجاب: ليس هناك إمكانية لينتحر برصاصتي مسدس، الوقائع غير قابلة للتحقق، هنا أُعجب الأستاذ بذكاء الطالب وقال لهُ:

علامتك صفر؛ فأنا لم أقل لكَ بأن الوقائع أثبتت الانتحار، تحدثت عن شبهة، ولم أطلب منك تحديد المشتبه بهم، سؤالي فقط عن دور المدعي العام بوجود جثة، سواء أكانت منتحرة أم مقتولة.

حال هذا الطالب يشبه حالنا عندما تحدث في المجتمع قضية ما يمكننا أن نسميها قضية رأي عام، ولعلَّ قصة الضحية آيات كانت مثالاً جديداً على الطريقة التي تجعلنا نذهب نحو مكان لا علاقةَ له بالسؤال.

الجريمة لا تُخلق من العدم، خلف كل جريمة هناك أسباب ودوافع ولكن هناك أيضاً «جرائم» أدَّت إلى هذه الجريمة، والهدف من القانون معاقبة الذين يدافعونَ عن الجرائم التي أدَّت إلى هذهِ الجريمة:

أولاً: هناك من يطرح سؤالاً جوهرياً، هل كان دم الضحية سيذهبُ هدراً لولا تحول القصة إلى «ترند» على مواقع التواصل الاجتماعي؟ ببساطة هناك من يؤمن بذلك، هل تعلم عزيزي المواطن بأنه وحسب مشروع قانون الجريمة الإلكترونية الجديد فإن نشرك عن هذه القضية قد يُعتبر سبباً لاتهامك بزعزعة الثقة بأجهزة الدولة؟ هل رأيتم كيف انتفض هذا الشعب الطيب ليدافع عن تلك البريئة؟ حتى هذا الانتفاض قد يصبح عالة عليك!

ثانياً: أنا من أكثر الواثقين بأن هذه الجريمة قد تحدث في أي مجتمع، لكن في المجتمعات التي تتمتع المرأة بكامل حقوقها بما فيها اختيار الشريك هناك من يثق بأن الحق لن يضيع، وليس بمجتمع لم يستطع حتى الآن ضمان حق المرأة بالميراث، ولن نقول مناصفة كي لا نذهب بأحلامنا بعيداً، في مجتمع ما زال فيهِ من يدافعون عن المجزرة الإنسانية المسماة «زواج القاصرات»، أو ما يتخللها من زيجاتٍ تجارية بمرجعيات دينية قميئة كـ«زواج المتعة» أو «الزواج العرفي» والتي بمعظمها شكل من أشكال تحويل المرأة إلى سلعة، فماذا فعلنا لنوقفَ هذهِ المجازِر؟ للأسف لاشيء.

ثالثاً: مما ورد في حديث والد الضحية للزملاء في الصحيفة بأن الزوج المتهم قامَ بتهديدهِ إن ذهبَ بعيداً في اتهامه، تُرى لماذا تجرأ الزوج على التهديد؟ أليست حالة الوالد المفجوع تشبه حالات مشابهة يجري تهديدها إن اشتكت؟ لدرجة أن هناك الكثير من المظاليم يضعون على الجرح «ملح» كي لايدخلوا في متاهات كهذه، من السبب بزعزعةِ الثقة بين المواطن والأجهزة التي يفترض فيها الدفاع عنه؟ هل كان التعاطي منذ البداية مع الحادثة فيهِ خلل ما؟

في الخلاصة: علينا التطلع للأمام، ففي الوقت الذي تأخذ المؤسسات القضائية دورها في تحديد ملابسات الجريمة، هناك (آيات وآيات) يجري لهنَّ ما جرى للضحية، لنفكر من الآن كيف سنمنع المجرم الحقيقي الذي يتسبب بكل هذه الجرائم، لنفكر كيف نجعل المساواة في الحقوق والواجبات حقيقة وواقعاً يمنح المرأة حق التمرد على الظلم، وليس مجردَ شعاراتٍ تستند إلى أحاديث عفا عنها الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن