قضايا وآراء

نهاية العصر الأميركي

| تحسين الحلبي

شهد العام الماضي مجموعة هزائم للسياسة العدوانية العسكرية الأميركية في العالم من أميركا اللاتينية حتى آسيا وقلبها في الشرق الأوسط، فقد تمكنت الشعوب وقادتها الأحرار من حماية سيادة بلدانهم وقدراتها العسكرية في إيران وسورية واليمن وفنزويلا والعراق والمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وفشلت محاولات واشنطن في إخضاع الجزائر وتونس ولبنان إلى سياساتها، وفرض هذا الانتصار دوراً فاعلاً ورائداً على الإطار الإقليمي الذي جمع محور المقاومة مع دول تناهض الهيمنة الأميركية في المنطقة، وكذلك ولدت كتلة دولية بقيادة روسية وصينية بدأت تفرض سياستها في التصدي لمحاولات تهميش هذا الدور وقوته وإشغاله مرة في أوكرانيا وأوروبا ومرة في تايوان وبحر الصين، وقد تمكنت هذه السياسة مع بداية عام 2022 من فرض شروطها على الولايات المتحدة وحلفائها، وفرضت على أوروبا الحليفة لواشنطن أحد خيارين: إما إعادة مسرح الحروب العالمية إلى أوروبا، وإما الكف عن التواطؤ الأوروبي مع سياسات الهيمنة التي تفرضها الولايات المتحدة على أوروبا.

الموقع الإلكتروني للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية نشر وثيقة موجزة حدد فيها رؤية أوروبا للتغيرات الدولية بعد استلام جو بايدن الرئاسة الأميركية تضمنت «وجود تغيير واسع في المواقف الأوروبية تجاه السياسات الأميركية»، وأن «أغلبية أعضاء الاتحاد الأوروبي يعتقدون أن النظام السياسي الأميركي في حالة انهيار وأن أوروبا لن يكون بمقدورها الاعتماد على الولايات المتحدة في الدفاع عنها».
وتضيف المذكرة الأوروبية: «إن العالم سيشهد نتائج جيوسياسية بسبب الضعف الأميركي لأن دولاً كثيرة باتت تعتقد أن الصين ستصبح أكبر قوة عالمية خلال السنوات العشر المقبلة، وأن المطلوب من أوروبا ألا تشارك في أي حرب أميركية ضد الصين بل يتعين عليها أن تلزم الحياد».
هذا يعني أن الشعوب الأوروبية ستجبر قادتها على عدم السير وراء سياسة الحروب الأميركية ضد روسيا التي ستتحول فيها أوروبا إلى ساحة حرب للمرة الثالثة على حساب مصالح شعوبها ولمصلحة الإمبريالية الأميركية، ولذلك يبدو من المؤكد أن ما طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من شروط لإغلاق مؤامرة أوكرانيا الأميركية ستخضع له في النهاية الولايات المتحدة وحلفها الأطلسي، لأن أوروبا نفسها لاحظت أن السماح بانضمام أوكرانيا للحلف الأطلسي يعني التمهيد لحرب في ساحة أوروبا مع الحلف والولايات المتحدة، وهذا الاحتمال شبه المؤكد لن يكون في مصلحة أوروبا وشعوبها بل في مصلحة واشنطن وحدها.
في الساحة الإقليمية، يلاحظ الجميع أن سحب القوات الأميركية لا يعني إعادتها من جديد طالما أن واشنطن اختبرت أقوى أسلحتها الحربية المباشرة وتعرضت للهزيمة ولم يعد لديها سوى سلاح العقوبات وأشكال الحصار التي لن تجعل العالم كله ينفذها ضد الدول المناهضة لسياساتها، كما أن دولا مثل إيران وسورية والعراق واليمن ولبنان ومقاومته، ستجد عاجلاً أم آجلاً خيارات تفرض فيها مصالحها وتطورها الاقتصادي واستعادة التصرف بمصادر ثرواتها، وسيؤدي تراكم القوة في محور المقاومة إلى فرض شروطه في سحب القوات الأميركية من العراق وسورية من دون قيد أو شرط، وهذا ما يجري الآن في ملاحقة القوات الأميركية الموجودة في العراق من المقاومة، وهذا ما سوف تحسب له الوحدات الأميركية في شمال شرقي سورية حسابها في كل لحظة، وهذا ما يؤكده الكاتب السياسي البريطاني ديفيد هيرست في تحليل نشره قبل أسابيع بعنوان «نهاية العصر الأميركي» في موقعه الإلكتروني «ميديل ايست آي»، حين فسر عوامل الضعف الأميركي مقابل تزايد القدرات الصينية والروسية والنتائج التي سيفرضها هذا العامل على المنطقة وسحب القوات الأميركية التي انتهكت أراضي وسيادة سورية وغيرها من الدول.
ومثلما ستدفع واشنطن ثمن ضعف قوتها ونفوذها في المنطقة، فإن حلفاء واشنطن المحليين أيضاً مثل الكيان الإسرائيلي وغيره، سيدفعون ثمن هذا الضعف وهم ليسوا بأفضل وضع من الولايات المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن