قبل أيام طالبَ الرئيس التركمانستاني قربان محمدوف بإغلاق ما سماها بـ«بوابات جهنم»، للوهلةِ الأولى تحسبهُ استشعرَ الخطر القادم إلى منطقتهِ على الطريقة الشرق أوسطية، عندما يخوض البعض حروبَ الآخرين فتتحول بلاده إلى ساحة لتصفيةِ الحسابات، لنكتشفَ بأن هناك فعلياً حفرة للغاز في صحراء «كاركوم» التركمانستانية مشتعلة منذ عهد الاتحاد السوفييتي السابق، هل لنا أن نتخيل بأن الدولة السوفييتية بكامل قدراتها انهارت ولم تتمكن من إغلاق هذه الحفرة أو لجم نيرانها!
يبدو التصريح عادياً، لكنه صورة عما يجري في هذا العالم، صورة عن بوابات جهنم التي تفتح عليك عندما تفشل بإغلاقها، مفتوحة على كلِّ الصعد تنتظر حدوث معجزةٍ إلهية، كما تنتظر اللحى العفنة في هذا الشرق البائس ما يثبت وجود هذه الحفرة في القرآن الكريم، يالضحالةِ تفكيرنا!
بوابات جهنم اليوم مفتوحة على مصراعيها، وقد لا تستثني أحداً، صديقاً كانَ أم عدواً، ألَم تقتل هذه الحروب العبثية أكثر بكثير مما قتله فيروس كورونا، ترى أين المؤامرة إذن؟! عندما تبحث عن المؤامرة عليك تجنب البحث عن أضلاعِها، فقط فكر من الضحايا؟ لأن أضلاعها قد يتجاوزون حدودَ عاطفتك!
لا نعلم إن كان المحللون في دول الـ«ستان» قد بدؤوا بفردِ خرائطهم للحديث عن حروب الغاز وحروب السيطرة، لا نعلم إن كان لدول الـ«ستان» حلفاء سيبشرونهم ليلَ نهار بقرب انهيار الولايات المتحدة، والأهم قربَ اندحارها من المنطقة وولادة عالم جديد متعدد القطبية، ليكن وطني بخير وسحقاً للقطبية واللاقطبية، ما نعلمهُ أن على دول الـ«ستان» أن تصحو وتتوقع بأن تكون هذهِ التحليلات بدأت تأخذ حيِّزَ إبر التخدير تحديداً عندما تكون تلك المعارضات تعوم بشكلٍ كامل في البحر الأميركي!
ليس فقط غنى هذا الإقليم بالكامل بالغاز هو ما يعيدك إلى ما جرى ويجري في هذا الشرق البائس، تحديداً أن انبعاث الغاز من قلبِ صحرائهم لا يشبهه إلا خروج النفط من كبدِ صحرائنا، لكن ما بال هذه الشعوب لا تتعلم من دروس الآخرين؟
كنا نظن بأن هذا الشرق هو الاستثناء الوحيد في هذا العالم، حيث تفتح اللحى العفنة أبواب بلدانها للقتل والإجرام وتأويلَ كل ما يفيدها في تدعيم روايتها المذهبية، ليصبح السؤال المنطقي: كيف تمكنت الولايات المتحدة وهي تقترب من الانهيار، كما يُجمع كل مديري مراكز الأبحاث الخلبية في هذا الشرق البائِس التي ليس لديها حتى مجردَ دراسة موثقة توضح المعطيات التي أدت للوصول إلى هذه الحقيقة، من التغلغل في هذه الشعوب لصناعة معارضة مطواعة لرأيها وجاهزة لأن تموت من أجلها؟
في الحقيقة القضية لا تتعلق بالفقر تحديداً أن هناك دولاً تنعم شعوبها بالخيرات ككازاخستان مثلاً، لا علاقة لها بالديمقراطية ولا حقوق الإنسان، في كل التقاطعات يبدو السلاح الأميركي واحداً: الإسلام السياسي.
في هذا السياق دعونا لا نعيد كلاماً مكرراً عن دور الإسلام السياسي في خلق الحالة الإرهابية، لكن دعونا نتحدث عن الوجه الآخر لإنجازٍ حققتهُ الولايات المتحدة عبر جعل الإسلام السياسي واجهة للقضايا المحقة، لتحاول تفريغ التعاطف مع هذه القضايا، لنسأل أنفسنا اليوم بعيداً عن الحالة السورية التي هي استثناء: من ذا الذي يكترث للقضية الفلسطينية؟ أين الأحزاب اليسارية والحركات المدنية؟ لنأخذ مثالاً في العراق عندما كانت المقاومة إسلامية، جرى ربطها بتنظيم القاعدة، وبعد أن أجهزوا عليها، حولوا جهودهم للضرب على «الحشد الشعبي» كذراع إرهابي ليسيئوا لمفهوم المقاومة العراقية للوجود الأميركي، ألا يجعلنا هذا الأمر نقف وقفة صدق مع أنفسنا لنسأل سؤالاً جوهرياً: عندما ينحصر الدفاع عن القضايا العادلة بالأحزاب والحركات ذات المرجعيات الإسلامية، ألا يعني هذا الأمر بأن الأميركي تمكنَ من تفريغ القضايا من محتواها الجامع؟! أم إن الفشل بالجمع بين الدفاع عن القضايا المحقة والاهتمام بأساسيات الحياة جعل الأمر يأخذ بُعداً دينياً لا إنسانياً ولا وطنياً؟
الجواب يبدو معقداً، ويذهب بنا إلى المزيد من التحول نحو الراديكالية، ولكن قبل صب جام غضبنا على تلكَ الشعوب دعونا نجد لها عذراً، تعالوا لنمر على ما يقدمه من يُفترض بأنهم قادة رأي لهذه الشعوب، تخيلوا حتى السجال الذي حصلَ بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي قال إنه «إذا دخل الروس إلى بيتكَ، فسيصعب عليكَ إجبارهم على المغادرة»، والمتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التي ردت بأنه «إذا دخل الأميركيون إلى بيتك، سيصعب عليك البقاء على قيدِ الحياة»، هناك من ينظر إليه كإنجاز، ولا نعلم إن كان سيوضع في خانةِ الانتصارات، لكن وإن كنا متفقين على أن الأميركي هو السبب الأول في كل المآسي التي تحدث فمن الضروري أن نذكِّر بأن ذات الذراع الشيطانية الأردوغانية التي تمارس العبث بدماءِ الأبرياء في سورية والعراق وليبيا، جرى قراءةَ التعاطي مع دورها على نحوٍ خاطئ بإنقاذها عندما كانت جحافل الانقلابيين ستسحقها، ألسنا فعلياً بحاجةٍ إلى وقفة عقلانية؟!
بذات السياق، لماذا علينا أن نعيش دائماً حالةَ اللاعودة للعلاقات العربية-العربية؟ كلما اقترب العرب من تضميد جراحهم هنا وهناك، فجأة ودون سابق إنذار تعلو اللهجة حتى نبدو معها أننا نعود إلى نقطةِ الصفر، هل حقاً لم يعد أحد قادراً على ضبطِ الإيقاع قليلاً حتى تتمكن هذه الشعوب بالحد الأدنى من التقاطِ الأنفاس؟ إلى متى سيبقى قدر المواطن في هذا الشرق البائس أن يعيشَ بين تصريحاتٍ هنا واتهاماتٍ هناك؟ تحديداً عندما يرى كل طرف يوجه الاتهامات للآخر برعاية الإرهاب، بينما تبدو مشيخة قطر التي كانت رأس الحربة الأول في كل هذا الجحيم العربي بعيدة عن سهام النقد، هل هي السياسة؟
هناك الكثير من الأمثلة التي تبدو عملياً سجالات لا طائلَ منها، بل يمكننا القول إن الأميركي نفسه يجلس ليشاهد سجالات كهذه وهو يستمتع وماذا يريد أكثر من ذلك؟ بل على العكس هو قادر في أي وقت أن يمرر لنا رسالة تفيده في استمرار سجالات كهذه، تخيلوا أن هناك من أفردَ لنا صفحات ليناقش تصريحات الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر بأن «الولايات المتحدة قد تكون مهددة بحرب أهلية»، الرجل الذي يقترب من عيد ميلاده المئة، باتت تصريحاته مادة دسمة لمن لا يزال يعيش الوهم، وهنا تصبح المقاربة غريبة: لماذا عندما يتحدث مسؤول غربي أو وسيلة إعلامية غربية بأمرٍ يفيدنا ببيع الوهم نهلِّل لهُ، وعندما يتحدث بأمر يكشف مدى تخديرنا نهاجمه ونتهمهُ بالفبركة؟
في الخلاصة، هي بدايةُ عامٍ يبدو أنه سيكون ساخناً، في عالمٍ بالكاد تُغلق فيهِ بوابة لجهنم، لتفتتح بوابة أخرى، ما يهمنا كسوريين أن نرى فعلياً الكثير من المراجعات للحال الذي وصلنا إليه على جميع الصعد، ما يهمنا فعلياً أن نلتفت قليلاً بنظرة موضوعية لما يجري وكيف يجري؟ من زار يوماً كازاخستان لم يكن ليتوقع أن تخرج فيها تظاهرة واحدة، تماماً كما الذي زار سورية يوماً ولم يفكر بأن يخرج منها أكَلة أكباد بهيئةِ بشر، ما يجري فعلياً بحاجة لأن يجعلنا نعيد مراجعةَ كل شيء من دون استثناء، ولنتذكر بأن النار التي فشلَ الاتحاد السوفييتي السابق بإخمادها لا تزال مشتعلة حتى الآن!