في إطار القاعدة التي تقول فتش عن المستفيد بالنسبة للأزمة الكازاخستانية، لا نستطيع أن نرى إلا أصابع العبث الأميركي التي لا تنفك تلعب بنار إثارة النزاعات والحروب بالوكالة للضغط على الصين تارة وروسيا تارة أخرى، على الرغم من عدم وجود أدلة مادية على ذلك، ولكن توقيت اشتعال الأزمة مريب إلى حد ما، وخاصة أن الشرارة بدأت قبيل انطلاق المحادثات الروسية الأميركية، المقرر إجراؤها في العاشر من كانون الثاني الجاري بشأن ما أطلق عليه بـ«الإنذار الروسي» حول وجود قوات الناتو على الحدود الشرقية لروسيا الاتحادية.
كل الميزات الجغرافية والسياسية والاقتصادية تؤكد بما لا يقبل الشك أن كازاخستان هدف مهم لضرب روسيا ضمن سلسلة الاستهدافات التي تتعرض لها موسكو مؤخراً من أوكرانيا وبيلاروس شرقاً وليس انتهاء بنور سلطان جنوباً، وخاصة أن طول الحدود مع الأخيرة يناهز الـ7.500 كم، إضافة إلى ذلك فهي تاسع أكبر دولة في العالم، وهي الدولة الأقوى في آسيا الوسطى اقتصادياً، بسبب صناعة النفط والغاز لديها كما تحوي موارد معدنية وافرة وتجاور جزءاً كبيراً من بحر قزوين.
كل ذلك يعني أن الفوضى إذا دخلت إلى تلك البلاد وساد منطق الحرب الأهلية فيها، فستضطر روسيا لإرسال قوات إلى هناك، وإنفاق جزء كبير من مواردها عليها، وهو أمر تتعمده واشنطن في إطار حروب استنزاف طويلة ضمن المحيط الروسي وأمنها القومي إذا ما ابتعدنا عن مصطلح الحرب الباردة.
إضافة إلى ذلك، فإن أقصر طريق بري من الصين إلى أوروبا يمر عبر كازاخستان، والتي تكتسب أهمية إستراتيجية في حالة إطباق واشنطن حصاراً بحرياً على بكين في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، أي إن الولايات المتحدة الأميركية تطمح لضرب هدفين استراتيجيين معاً بالحجر الكازاخي.
الحنكة الروسية أطفأت إلى حد كبير النيران الأميركية على حدودها الجنوبية ضمن أطر قانونية شرعية عبر معاهدة الأمن الجماعي فكان الرد بدخول القوات الروسية الأراضي الكازاخية على رأس قوات من بيلاروسيا وطاجيكستان وقرغيزستان وأرمينيا لحماية مؤسسات الدولة والمنشآت الإستراتيجية والعسكرية.
واليوم ترنو الأنظار نحو نتائج المحادثات الروسية الأميركية حول قضية الضمانات الأمنية والأمن الإستراتيجي في جنيف.
محادثات لا تبشر بالكثير خاصة بعد تراشق تصريحات فظة من الجانب الأميركي وناقدة من الروسي للمواقف السلبية المتخذة تجاه الخطوات الروسية الجادة والصارمة لحفظ أمن حدودها وسلام الدول المتاخمة لها، لتبقى النتائج مفتوحة على العديد من الاحتمالات كاستمرار المحاولات الأميركية لزعزعة استقرار روسيا عبر الحروب بالوكالة أو خلق ساحة جديدة لنزاع يهدد حدود موسكو أو ربما يخرج الطرفان بعد المحادثات باتفاق قد يخفض نار النزاع الأميركي الروسي.