يحمل العام 2022 العديد من القضايا الدولية المشتعلة بمخاطر جيوسياسية متصاعدة ذات الصلة بالمثلث الأميركي – الروسي – الصيني.
المشاكل والصراعات التي عاشتها الدول الثلاث عام 2021 مستمرة بصرف النظر عن حدتها، هناك 3 اختبارات جدية لمثلث القوى العالمية الكبرى، الولايات المتحدة وروسيا والصين واستحقاقاته المتوقعة في عام 2022: الأول يتمثل بالمواجهة حول أوكرانيا بين روسيا والغرب.
والثاني تهديدات الصراع الأميركي الصيني الاقتصادي والسياسي وموضوع تايوان.
والثالث الاتفاق النووي الإيراني بالإضافة للمشاكل الداخلية على الساحة الأميركية وارتداداتها على هذه الصراعات، البؤرتان الخطيرتان الأولى والثانية، إحداهما في أوروبا والأخرى في آسيا، تهددان بدفع الولايات المتحدة وروسيا والصين إلى صراعات مفتوحة تستأثر باهتمام العالم ويبدو أن أوكرانيا ترغب الاندماج في اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وقد وقعت على اتفاقية شراكة مع الاتحاد لهذا الغرض.
غير أن روسيا تخشى أن تكون عضوية الاتحاد الأوروبي نقطة انطلاق إلى انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.
أوكرانيا تدعي الدفاع عن السيادة والأمان، لكن ليس من حقها أن تتسبب في تقويض أمن روسيا ففي عام 2008، وجهت إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الدعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهذا من شأنه أن يرسخ وجود الحلف على حدود روسيا الطويلة مع أوكرانيا.
عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، كان أحد أهدافها يتلخص في ضمان عدم تمكن حلف شمال الأطلسي من الوصول إلى القاعدة البحرية الروسية والأسطول الروسي في البحر الأسود.
روسيا تسعى لإبعاد الناتو وأميركا عن المجال الروسي الغربي. والاقتصاد الروسي أصبح أكثر قدرة على مقاومة العقوبات وعلى هذا فإن التهديدات قد لا تثني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن متابعة مخططاته.
بعض العقوبات الغربية، مثل التحرك لمنع تمديد خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، قد تؤدي إلى تفاقم عجز الطاقة في أوروبا، وسيستخدم الغرب أحداث كازاخستان الأخيرة كورقة تهديد ضد روسيا في المباحثات الأميركية الروسية والروسية مع حلف الناتو التي ستعقد في جنيف مابين ١٠ و١٢ الجاري بهدف البحث في مطالب روسيا الأمنية، التوتر والقلق الأمني يخيم بظلاله على منطقة أوكرانيا في مواجهة بين المعسكرين الغربي والروسي، تتصاعد حدتها وستكون لذلك تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية على تلك المنطقة من العالم بالمقابل تصاعدت التوترات بين واشنطن وبكين واتهمت الصين الولايات المتحدة بالتصرف كقوة مهيمنة ومحاولة إيجاد حرب باردة بين البلدين فقرر الرئيس جو بايدن؛ على نحو مستفز، دعوة تايوان للمشاركة في قمته من أجل الديمقراطية، في أعقاب دفاع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن؛ عن «مشاركة تايوان القوية» في نظام الأمم المتحدة. مثل هذه التصرفات الأميركية تسببت في تفاقم التوترات مع الصين بدرجة كبيرة.
الصين تستورد من الولايات المتحدة المزيد من الغاز، معززة بذلك العلاقات التجارية مع ازدياد علاقتهما توتراً، كبير مسؤولي التجارة في شركة تشينير الأميركية، أناتول فيجن، قال لـ«فاينانشيال تايمز» في تشرين الأول الماضي: «نعتقد أن الصين هي المحرك لنمو صناعتنا».
لعقود مقبلة الرئيس الصيني شي جين بينج أبلغ نظيره الأميركي جو بايدن خلال الاجتماع الأخير للزعيمين، أنه يرغب «في تقوية التعاون في مجال الغاز الطبيعي»، أما بالنسبة لموضوع الصين وتايوان يلاحظ انكفاء واشنطن عن عدد من مناطق العالم الساخنة بحجة تركيز جهدها على الخطر المتصاعد في الشرق الأقصى.
تتزايد الآن برودة الحرب الباردة الصينية الأميركية، حيث تزيد الصين من ضغوطاتها العسكرية على تايوان وفي بحر الصين الجنوبي، ولعل من أهداف الضغط الغربي على روسيا، هو فك التحالف الروسي الصيني لمصلحة المواجهة الأميركية الصينية اقتصادياً والمرشحة لأن ترتقي لمجابهة عسكرية، بعض المراقبين يرون أن استعداد واشنطن لمواجهة التحدي الصيني لن يختلف كثيراً عن تهديداتها المجردة من التدابير في أوكرانيا، وبالتالي تُقر واشنطن بعجزها عن التحكم في دفة الأحداث، وستضعف مكانتها الجيواستراتيجية العالمية، المفاوضات الحالية حول اتفاق إيران النووي تدار حوله التحديات والشكوك والقلق من إمكانية إتمام إنجازه، ولم تتمكن المفاوضات بشأنه، حتى الآن، من تحقيق إلا بعض التصريحات الإيجابية، وقد تشن إسرائيل عدواناً ضد المنشآت النووية الإيرانية.
إذا حدث هذا، ستكون تكلفة العدوان باهظة جداً ونتائجها مُدمرة.
سنة 2022 ستشهد انتخابات نيابية مهمة في الولايات المتحدة على مقاعد مجلسي الكونغرس والشيوخ، وربما ينال حزب الرئيس جو بايدن خسارة، نظراً لسوء الأداء وهشاشة النمو الاقتصادي في حقبته، وعدم قدرته على السيطرة على الانتشار الهائل لـ«كوفيد 19» في بلاده،
ولئن كانت الإدارة الديمقراطية ما زالت تراهن على خياري التفاوض والعقوبات، فإنها ستجد نفسها على الساحة الأميركية بمستويات تكاد تكون غير مسبوقة من الاستقطاب الحزبي والجمود، والانقسامات الداخلية العميقة خلال أجواء التجديد النصفي للكونغرس، وقد تفقد السيطرة على مجلسي السلطة التشريعية وهكذا يرث العالم على الصعيد السياسي، من العام المنصرم المناخ الإقليمي المسموم الذي أخفق اللاعبون الإقليميون والدوليون في التعامل معه. ولا تلوح في الأفق ملامح تغيّر يستحق الذكر.
صحيح، «لا يوجد حلفاء أزليون ولا أعداء دائمون، بل المصلحة هي الأزلية والدائمة» لكنّ ثمة خطوطاً عريضة، ومعايير لاستمرار الأحلاف والمحافظة على الصداقات أو الانقلاب عليها.
أخيراً ورغم نزعة الهيمنة العدوانية لدى القوى الغربية، فإن أي بنية عالمية للسلام من غير الممكن أن تكون مستقرة وآمنة ما لم تعترف جميع الأطراف بمصالح الآخرين الأمنية المشروعة.
وقد تكون أفضل طريقة لتبدأ القوى الكبرى في تحقيق هذه الغاية هي اختيار طريق التفاهم المتبادل في صراع مثلث القوى العالمية الكبرى الثلاث المرشح للتصعيد.