ثقافة وفن

في الرواية وفنّ السرديات

| منال محمد يوسف

في الرواية وماهيّة فنّها الجميل نتحدّث اليوم

نتحدّث عن الفنِّ الروائيّ كحالة جماليّة تقوم على عدة خصائص تُلامس الهم الإنسانيّ وتطرح بعض مشكلاته وبعض هواجسه الإنسانية التي نجدها تتناثر على صفحات هذا العمل الروائي أو ذاك.

ونجدها حياةً متكاملةً الأوصاف والتوصيفات مزروعة بالسرديات والشجون الإنسانية ما يجعل القارئ ينسابُ مع الفنّ الروائي ومع فصوله وأحداثه ومع عوالمه الممزوجة بين الشيء الواقعي والخياليّ.. ونجده ينتمي إلى هذه العوالم بمحبةٍ وشغفٍ لأنّها تُمثله خير تمثيلٍ وبالتالي تمتثل كالشراع الذي يُبتغى الإبحار به.

يبتغي الإبحار من خلال قراءات قد تكون مُتعدّدة الرؤى الفكرية والفنيّة والإنسانية على حدٍّ سواء.. وتمنحه الشيء الذي يُسمّى «جواز السفر» على جِنح الكلمة وعلى التخيّل والبناء الروائي، فكم من الروايات كانت أشبه بذلك «الصندوق الأسود» الذي يضمّ أسراراً وتفاصيل لكل شعبٍ من الشعوب..

وتأتي الرواية كفنٍّ مهم يظهر بأوجه مختلفة ويُقدّم لنا الشيء الجماليّ الذي يجب «حفظ ذاكرته» كما يجب الحفاظ على ذاكرة كلّ ما يتحدث عنه، وقد تتعدّد التوصيفات والمُسميّات التي تخصُّ الفنّ الروائيّ فهناك الرواية التاريخيّة التي تضمُّ الكثير من الحوادث والتواريخ ويتمثل بها البُعد التاريخيّ بذاك الأسلوب السهل الممتنع كما يُقال.

وهناك الرواية الأدبية التي تُروى بشيء من التشويق المميز وتحمل الشيء الكثير من «أبعاد المعرفة الأدبيّة» وبالتالي تزودنا بأشياءٍ وأمثلة وأدلة تخصُّ جوهر الأدب.

وهناك «الرواية الواقعية أيضاً» التي تُبنَى على الكثير من الوقائع الحاصلة فعلاً ونرى الكثير من الكُتّاب يتفردون بطرح المشكلات وبالتالي يحاولون إيجاد بعض الحلول المنطقيّة.

وبهذا الشكل نرى الرواية وكيف يتم توظيفها بشكلٍ صحيحٍ، وكفّنٍ يفرض حضوره المهم بين القرّاء، وبالتالي يقوم على الكثير من الأسّس الفنيّة والأدبيّة ويحمل حياةً أخرى.

قد نعيش الكثير من تفاصيلها من خلال ما نقرأ وقد نتعرف إلى بعض شخوصها وأبطالها الذين خلقوا من «بنات الأفكار أو بنات الفنّ الروائيّ» كما يُقال.. وهذا بالطبع ما يُميز «الرواية» عن باقي الفنون الأخرى، إذ نراها تسمو بفنّها إلى الحدِّ الذي يجعلنا أكثر قرباً والتصاقاً بها.

وإلى الحدِّ الذي يجعل صورتها عالقة بأذهاننا وكأنّنا عشنا قصتها فعلاً، وعاصرنا شخوصها ليس بين الصفحات فقط وإنّما بشكل حياتي، فكم من «الروايات» التي نذهب مع مراكبها ونُحلّق عبر صفحاتها ونراها وكأنّها تُشكّل «الحياة والانتماء الآخر لنا»؟

وكم من «الروايات» التي تحمل تواريخ مهمة وتأخذنا إلى أماكن لِنشعر بأننا سافرنا إليها بالفعل؟

وكم من الروايات التي تجعلنا نقرأ شيئاً من ذواتنا ونرى شيئاً من «صورة هواجسنا» وكأنّها قد وُضعت بين جنبات هذه الرواية أو تلك.

وهذا ما يجعلنا نرى الرواية وكأنّها تمتثل ذلك الوعاء السرديّ الأدبيّ الذي يفيض ويستفيض بكل ما كُتبَ وبالتالي نراه ينضحُ بكل ما وُضعَ به من «نور المصداقية وشفافية السرد» التي يجب أن تكون هي الأهم في هذا العمل الروائي أو ذلك.

ومن هنا تبرز الرواية وترتقي بفنّها المهم وتسمو لتأخذ دورها الأسمى ومكانتها العُليا التي تليقُ بها وكذلك «الفنّ الروائيّ الإنسانيّ»، وهذه الصفة يجب أن تلتصق به وتمنحه هويته الأهم وبالتالي يجب أن ترتقي به إلى المرتبة المستحقة لهذا الأدب الروائيّ ما يجعلنا ننتمي إلى بعض عوالمه وكأنّها «عوالمنا الحقيقية» التي نعيش فيها وننتمي إليها، وهنا تتجلّى «براعة الروائي وإبداعه السرديّ» الذي يحمل الكثير من المصداقيّة الإنسانية.

ومن هنا تتضح معالم الهويّة الروائية فنرى الرواية في بعض الحالات وكأنّها تُمثّل فهرسة حقيقية تُذكّرنا بمن حملوا «لواء الرواية العربية» وكذلك كانوا صوتها الحقيقيّ وشكلوا لغتها الأهم وصوت وجدانها القويم.. فشكّلت «أعمالهم الروائيّة» المنهج والنهج الروائيّ المهم وكذلك شكّلت ومضات مُضيئة باتت تغني ذاكرة السرد العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن