من دفتر الوطن

أحلام مؤجلة!

| عصام داري

حياتنا توليفة مزركشة بكل الألوان، وتحتوي من هذا وذاك، لا تخلو من عبق العشق وغزل العيون الصامت الذي يقصّ أروع الروايات والحكايات، ويقلّص المسافات بين القلوب، ومن حزن يرافق أيامنا ونحن نسير في قطار العمر الذي يطوي الفيافي والأعوام.

لكن حياتنا أيضاً مجموعة لا تنتهي من الأحلام، لكن أحلامي كبيرة واليد قصيرة، فأنا أحلم مثلاً بزورق مصنوع من خيال يحملني إلى جزيرة فاضلة، على غرار مدينة أفلاطون الفاضلة، مدينة تسكنها الفراشات وتعشش فيها العصافير في أي بقعة في هذا الكون الفسيح.
أحلم برحلة وردية نحو آفاق لا حدود لها، ونحو عالم مسحور حدثتنا عنه يوماً الجدات، أحلم بالخروج من سجني الذي يضيق علي كلما اتسعت السماء وامتدت الأرض. أحلم بكسر كل القيود التي أتعبت كاهلي طوال عمر مجبول بالتعب والحزن والأمل وسأظل أحلم، وأدرك أن أحلامي مجرد سراب زرع في صحراء لا ينبت فيها حتى الشوك والعوسج.
تعالوا لنحلم معاً فلم يعد لدينا سوى الحلم وأحلامنا مؤجلة بقرار من بيده القرار!
أعود لأحلامي المؤجلة منذ آلاف السنين، والضائعة في زحمة الحياة.
متى نخرج من الزحمة ودوامة الحياة اليومية إلى وسع الطبيعة ببساتينها وحقولها، بأنهارها وجداولها وشلالاتها، ببحارها وبحيراتها ومحيطاتها بعبارة أخرى: متى نخرج، من الموت إلى الحياة؟
متى نتمرد على «الحكم الجاهزة» التي تطلب منا الصمت التام تنفيذاً لحكمة يائسة تقول لنا: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب! من هو صاحب هذه المقولة القمعية التي تريد إسكات الناس وإخراسهم لتسود «ثقافة» الحوار من طرف واحد؟
من هذا العبقري الذي يفتح لنا طريق الخنوع والاستسلام و«أمرك سيدي» «وتفضل علينا يا مولانا واجلدنا بالسياط السلطانية فالجلد على قلوبنا أحلى من العسل وضرب الحبيب زبيب ولو كان بقضيب من حديد».
أعتذر فقد تجاوزت الحدود المسموح بها للكلام في الحديث المباح لذا سأصمت لأن الصمت من فضة وذهب وماس وعلى العين والرأس يا سادة الناس والوسواس الخناس!
الآن ألغي كل الجمل والكلمات والمجاملات وأكتفي بكلمة صدق واحدة تعبر عن حبي للأحلام المؤجلة التي حبست في قمقم عتيق علاه الصدأ منذ آلاف السنين فربما حان موعد كسر القمقم، وكسر كل القماقم عبر التاريخ، وتحطيم القوالب الجاهزة التي تكاد تفصل لنا حتى أحلامنا وتجعلها وردية إذا أردنا توخّي الحيطة والحذر والسير(الحيط.. الحيط.. ونقول يا رب السترة) وإلا فستحول تلك الأحلام إلى كوابيس نعيشها في الليل والنهار وعلى مدار الساعة، وكما أن هناك أحلام يقظة، فسيجدون لنا كوابيس يقظة، والعلم عند الله!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن