تؤكد «الحالة الكازاخستانية» محاولة أميركية لإعادة إحياء «الفوضى الخلاقة» سيئة الصّيت، وعلى الرغم من أن هذه «الفوضى» اختراع جمهوري إلا أن الديمقراطيين هم الذين طبقوها عبر ما يسمـى «الربيـع العربـي» وبعـد ذلك عــبر «الحالة الأوكرانية».
تُعبر هذه الخطة عن «عبقرية» الحزب الجمهوري في اجتراح الأفكار التي تحقق أمرين، تغيير العالم لمصلحة أميركا، وعدم زج الجنود الأميركيين في حروب خارج الحدود، خاصة بعد التجربة المريرة في فيتنام وأفغانستان والعراق.
فتح الديمقراطي الرئيس الأسبق باراك أوباما قبل 12 عاماً، الباب واسعاً أمام تطبيق «الفوضى الخلّاقة» على الساحة الدولية، بداية بالشرق الأوسط والعالم العربي، فقد أعلن في خطابه الشهير في جامعة القاهرة في ٤ حزيران ٢٠٠٩ انطلاق هذه الفوضى في عدة دول عربية بدعم مباشر وكبير من حلف الناتو وتجنيد كامل للتوابع في المنطقة، إضافة إلى خطة تمويل اعترف بها رئيس وزراء قطر السابق، وخطة تجميع وتدريب المرتزقة من جميع أنحاء العالم، وكذلك سيناريو «التظاهرات الشعبية البريئة» التي ستكون المشهد الأول في هذه المسرحية المتقنة.
كانت أوكرانيا أول «حالة» خارج نطاق الشرق الأوسط، قررت إدارة أوباما تطبيق الفوضى فيها عام 2014، انتقاماً من روسيا التي رفضت اتفاقاً مع أميركا حول سورية لأنها اعتبرته تدخلاً في السيادة السورية وانتهاكاً للقانون الدولي.
نجحت الخطة الأميركية في أوكرانيا نسبياً لأن الرد الروسي كان قوياً عبر السيطرة على القرم ودونباس، أما «الحالة السورية» فقد كانت فريدة في أن الدولة صمدت من دون تدخل مباشر من خارج الحدود حتى أواخر عام 2015 عندما أصبح الصدام الروسي – الأميركي واضحاً وعالمياً بسبب أوكرانيا.
اليوم يبدو أن الرئيس بايدن يحاول إعادة إحياء «الفوضى الخلّاقة» عبر محاولة استكمال مشروع أوباما على حدود روسيا الغربية، خاصة في أوكرانيا وفنلندا، وجاءت أحداث كازاخستان دليلاً على محاولة إحياء الخطة الأميركية بعد أن كان الجمهوري ترامب قد أهملها، لكن التوازن الدولي تغير نوعياً منذ رحيل أوباما، ولم تعد روسيا غائبة عن ساحة الصراع الدولي فكان الرد قوياً جداً في كازاخستان،
فخرجت أميركا من تجربة كازاخستان أضعف مما كانت عليه، وهذا سينعكس على التوازن في أوكرانيا، وسيكون من المستحيل على واشنطن اليوم محاولة إدخال سلاح نووي إلى أوكرانيا أو ضمها مع فنلندا إلى الناتو، أو إشعال حرب محدودة بين بولندا وبيلاروسيا.
بوتين قالها صريحة: أي حرب محدودة في جوار روسيا غرباً سنرد عليها بضرب صاحب القرار مباشرةً، أي أميركا، ونقطة على السطر.