في سياقِ استطلاعٍ للرأي قُمتُ بإجرائِهِ بنفسي ولم أقُم بنشرِ نتائجهِ، لم أكتشف أي شيء، ولم أصل لأي نتيجة لأني أساساً لم أستطع حل الصراع بينَ قلبي وعقلي بتحديدِ المشكلة التي تشملها الأسئلة على المستَطلعةِ آراؤهم، حتى عملية البحث عن أولئك الموجوعين من تلكَ المشكلة لم أجدهم، لكني متأكد من قيامي باستطلاعٍ للرأي!
من سيقرأ هذه المقدمة سيظنني أهذي، أو أن الزملاء في التدقيق مثلاً أضافوا عن عمدٍ أدوات نفي جعلت للوهمِ قيمة، هناك من سيؤكد بأني قمتُ بفبركةِ مشكلة لأستطلعَ الرأي حولها لكني لم أجد أي متضرِّر منها، لكن مهلاً لماذا هذه الاتهامات؟ من قالَ إني الوحيد الذي انتفضَ لحلِّ مشكلة لا وجودَ لها كما كانوا يدّعون؟! ألم تسمعوا بالبرتقالة؟!
لا.. ليست الأغنية العراقية الشهيرة، وليست كناية عن فريق الوحدة الدمشقي الذي نحترم، أما من سيأتي لي ببيت الشعر الذي قاله نزار قباني: كل ليمونةٍ ستنجبُ طفلاً! سنقول له ببساطة دع نزاراً يرقدُ بسلام، وبما أن القصة «حمضيات بحمضيات»، دعنا نسرق منه التوصيف:
كل برتقالةٍ ستنجبُ فشلاً، ومحالٌ أن ينتهي الفشل، ما دام هناك من لا يرى من الغربال، ما دام هناك وزير رمى بعبارةِ «لا جدوى اقتصادية من إنشاء معمل عصائر في الساحل» ومضى، من دون أن يسألهُ أحد عن مضمون الدراسات التي توثِّق الجدوى الاقتصادية التي قام بها مكتب الدراسات التابع لوزارته، والتي استندَ إليها للوصول إلى هذه النتيجة، لسنا ضد أي نتيجة لكن أن تكون موثقة علمياً وعملياً.
كل برتقالةٍ ستنجبُ فشلاً، ومحالٌ أن ينتهي الفشل، ما دام هناك من يغطي إخفاقه بتكذيب الناس الموجوعة تارةً أو باتهام من ينقل أوجاعهم بالفبركة، ما الفرق بين ذاك الرجل الذي صرخَ يوماً بأحد تقارير الزملاء في الوطن «تعبنا»، وبين السيدة الفاضلة التي صرخت «هذا رزق أبهاتنا»، لا فرق أبداً، في كلتا الحالتين هناك إعلام مسؤول حمل همَّ المواطن وهناك مسؤول هربَ من جحيم الفشل ليتهم الآخرين بالفبركة والكذب!
كل برتقالةٍ ستنجبُ فشلاً، ومحالٌ أن ينتهي الفشل، ما دام هناك من يغطي الفشل الحكومي عبر السعي لا شتراعِ قوانين تحاصر الناس حتى بأفكار لم تعبِّر عنها بعد؟! هل تعلم عزيزي المواطن بأن التقرير الذي أعدته الزميلة مراسلة «الوطن» في اللاذقية عن واقع الحمضيات، والذي أحدثَ هذه الضجة يمكن اعتباره حسب مشروع قانون الجريمة الإلكترونية الجديد، تقليب للرأي العام وزعزعة لثقة الناس بالحكومة!
في الخلاصة: لم يعد لدينا ما نقوله فأزمة حمضيات الساحل أثبتت حجم ما يعيشه الكثير من أولي أمرنا من انفصامٍ عن الواقع، لكن من اعتاد السوريون على تسميتهِ بـ«غفوةِ الموجوع» وصل في الوقت المناسب، حملَ الأمل لكل من شارفَ على فقدانهِ. حملَ الصبر لكل من يئس الصبرُ من صبرهِ، شكراً.
هو حكماً أكبرَ من شكر كهذا، لكن دعوني أعترف بأن الشكر يحمل غصة، ليسَ لأن الحدث لا يستحق ولكن إلى حجم الألم الذي يعتريني عندما أراهُ يضطر للتدخل حتى في التفاصيل البسيطة التي يمكن للمديرين العامين حلها، مع كل الألم ومع كل الغصات شكراً بعدد القلوب التي أثلجتها والأشجار التي صمدت لأنك.. غفوة الموجوع.