بين وقت وآخر اعتاد رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت على الإعلان عن عدم التزامه بأي اتفاق تتوصل إليه واشنطن مع طهران في الموضوع النووي وأنه يعد جيشه لشن حرب ضد إيران، وهذه التصريحات كانت قد تكررت مرات كثيرة منذ توليه منصب رئيس الحكومة لكنه أعلن أول أمس أمام الكنيست (البرلمان) أنه يتوقع تصعيداً عسكرياً إسرائيلياً قريباً على لبنان أو على قطاع غزة وكأنه يمارس لعبة الحرب والسلام مع أطفال في هذه المنطقة، وهو الذي يعرف أن جيش الاحتلال لم يستطع حتى هذه اللحظة منع سقوط أي صاروخ على مواقع جيش الاحتلال والمستوطنات إذا ما شن عملية عسكرية ضد لبنان أو قطاع غزة، ولذلك يعتقد المحللون الذين ينتقدون تصريحاته هذه بأن الغاية منها ليس الحرب أو التصعيد بل إعطاء رسائل لكل من يعدهم حلفاءه أو التابعين له في المنطقة حول ما يمكن أن يقوم به جيش الاحتلال، فمنذ حرب تموز 2006 ضد لبنان والحروب الثلاث أو الأربع التي شنتها قوات الاحتلال على قطاع غزة منذ عام 2008 وعام 2014 وما تلاها من حروب، لم يستطع جيش الاحتلال تحقيق أي تغيير لمصلحته في ميزان القوى القائم حتى الآن بينه وبين قوى المقاومة، ولهذا السبب بالذات يجد الكيان الإسرائيلي مصلحته الآن في المحافظة على الأمر الواقع على الجبهتين الشمالية والجنوبية لكنه لا يتوقف عن التخطيط والعمل على الاستعانة بوكلاء محليين أو بأطراف من المنطقة لكي يخلق عوامل نزاعات داخلية في سورية ولبنان وإيران، وعند حدود هذه الدول، فمع العجز الإسرائيلي يستعين جيش الاحتلال بكل حلفائه من أجل التخلص من قوة هذا المحور التي لم تتوقف عن الازدياد من عدوان 2006 على لبنان.
هذا ما أكدته المجلة الأميركية الإلكترونية «فورين بوليسي» في 19 أيلول الماضي 2021 تحت عنوان «إسرائيل لا تملك قوة تكفي لشن حرب على إيران» وعلى الجانب الإسرائيلي كان المحلل بالشؤون الاستخباراتية والإستراتيجية الإسرائيلية رونين برغمان قد ذكر في تحليل في مجلة «نيويورك تايمز» قبل شهر أن قادة جيش الاحتلال ذكروا له أن إسرائيل لا يمكن أن تجرؤ وحدها على شن حرب على طهران وهذه العقيدة العسكرية لا تزال توجه قيادة الجيش منذ عشرين سنة ولا علاقة لها بقوة نووية إيرانية بل بحجم القوة الصاروخية الإيرانية وقدرة تدميرها وإصابتها للأهداف.
هذا كله يدل على أن إيران ومحور المقاومة أصبح قاعدة قوة إقليمية ثابتة لا يمكن لأي دولة كبرى أو صغرى في المنطقة تجاهل وجودها ومصالحها الإستراتيجية، ولم يعد هناك وجود لقوة إسرائيل المتفوقة أو القادرة على فرض شروطها على دول المنطقة، وهذه الخسارة الإستراتيجية الإقليمية للكيان الإسرائيلي هي خسارة إستراتيجية للولايات المتحدة نفسها التي لم يعد أمامها سوى التسليم بقدرات الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مستوى المنطقة كلها، وهي أول مرحلة جديدة تفرض نفسها على الولايات المتحدة وكيانها الإسرائيلي.
وسوف تظل أسلحة وقوة محور المقاومة تشكل قدرة ردع مستمرة ولن يكون بمقدور واشنطن نزع هـــذه القدرات التي أصبحت عاملاً ثابتاً في هذه المنطقة ولمصلحة شعوبها لحماية مصادر ثرواتهم وسيادة دولهم، ويبــدو أن إســرائيل تخشى من أن يؤثر بقاء هذا المحور وســياسته المعادية للكيان الإســرائيلي في الجمهور العربــي داخل فلســطين المحتلــة وجوارهــا، وتحديدا لأنه سيشكل قاعدة ســياسية وفكريــة وعســكرية لرفــض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلســطينية والسورية المحتلة وسيحرق الأوراق الإسرائيلية التي تتطلع واشنطن وتل أبيب لاستخدامها في تبرير وجودها الاحتلالي الغاصب للأراضي العربية.
لا شك أن القيادة الإسرائيلية ستضع في حساباتها أن وجود هذا المحور الذي يطالب باستعادة الأراضي المحتلة سيولد في صفوف الجمهور العربي المزيد من القدرة المعنوية والسياسية على رفض الاحتلال واستعادة الحقوق الوطنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي الجولان العربي السوري وصولاً إلى مصادر الثروات الطبيعية في سواحل لبنان.