من دفتر الوطن

عصر الشباب

| حسن م. يوسف

تقتضي النزاهة أن نعترف بأن جل أعباء الحرب التي تشنها الفاشية العالمية وامتداداتها الإقليمية والمحلية على الدولة السورية منذ أحد عشر عاماً، قد وقعت وتقع على عواتق أبناء هذا الجيل من شبابنا السوري. والحقيقة أنني لم أفقد إيماني لحظة واحدة بشبابنا الذين يثبتون في كل يوم قدرتهم على اجتراح المآثر في مختلف المجالات، رغم فقر الإمكانيات وشراسة التحديات.

وقد سبق لي أن أعلنت مراراً إيماني بالشباب واعتقادي بأنهم يشكلون الضمانة الأساسية لحقوق شعبنا، والتحرير الأكيد لأرضنا المحتلة، كما أنهم الشريحة المؤهلة لحل مشاكل مجتمعنا المستعصية، وأية محاولة لتصويرهم خلاف ذلك، تصب في خدمة أعداء أمتنا الذين يحاولون تحويلنا إلى ورم في جسد التاريخ، تمهيداً لاستئصالنا منه.

لقد أكدت لي التجربة العملية مراراً أن شبابنا يمتلكون طاقات وقدرات لا حدود لها، وأن العيب ليس فيهم بل في نظرتنا إليهم، وطريقتنا الفاشلة في استثمار طاقاتهم والتعامل معهم، فالشباب هم المحرك الحيوي الذي يملك القدرة على الانطلاق بمجتمعنا إلى الأمام، لكن ذلك المحرك يصاب بالشلل عندما ينفصل أو يجري فصله عن علبة السرعة التي تنقل قوته إلى العجلات، وتساعد السائق على التحكم بالعربة، بما يناسب طبيعة الطريق ويضمن سلامة الوصول.

لقد سبق لي أن وصفت عيون الشباب بأنها تتقد بالغضب وتشع بالأمل. والحقيقة أنني لا أستمد تفاؤلي من الشباب وحسب، بل أتعلم منهم الكثير، حتى عندما أقف أمامهم كمعلم، فقد تأكدت عملياً من خلال التجربة، أن الشباب قد ينتقل بالعدوى، وأنه «لا عمر له» على حد قول الفنان الإسباني العالمي بابلو بيكاسو. لذا لم تنقطع علاقتي بالشباب يوماً، بل هي تنمو باستمرار من خلال مشاركتي في لجان تحكيم المسابقات الأدبية والفنية، ومن خلال قيامي بتعليم كتابة السيناريو في دبلوم السينما والمعهد العالي للسينما ومعهد الفنون المسرحية (سابقاً). لكنني في كل مرة ألتقي فيها بدفعة جديدة من الشباب السوري أشعر أنهم أفضل من أفضل توقعاتي عنهم، لذا أهمس في سري مغتبطاً مردداً عبارتي القديمة: أيها الشباب، إنني أؤمن بكم.

أما مناسبة تكرار هذه القناعات فهي أنني قرأت قبل الشروع في كتابة هذه الكلمات لسان حال على فيس بوك لرئيس الطبابة الشرعية الدكتور زاهر حجو يقول فيه: «إذا هاجر الشباب: تحول الوطن بأكمله إلى: دار رعاية للمسنين، وحينها: لا طائل من أي عتاب! اهتموا بالشباب فهم قوة الوطن يا أولي الألباب».

والحقيقة أن فكرة تحول الوطن إلى «دار رعاية للمسنين» أثارت قطعان القلق التي تجمعت في رأسي خلال الأسبوع الماضي، عندما ذهبت إلى أحد المختبرات للحصول على اختبار فيروس كورونا PCR كي أتمكن من السفر إلى بيروت لحضور حفل توزيع جائزة سليماني العالمية للأدب المقاوم التي كنت عضواً في إحدى لجان تحكيمها.

كانت الأغلبية العظمى من المحتشدين لإجراء اختبار كورونا، من الشباب الذين يبدو من هيئاتهم أنهم يطلبون السفر في طلب الرزق. اعترتني مشاعر أليمة وأنا أنظر إلى أولئك الشباب وكل واحد منهم يدفع ثمن الاختبار 126000 ليرة سورية، أي أكثر من راتبي الشهري، وعندما تأخرت عودتي من بيروت بسبب قطع المتظاهرين للطريق يوم الخميس، وانتهت صلاحية اختبار كورونا، اضطررت لإجراء اختبار جديد، وقد انفجر السؤال في رأسي كقنبلة عندما تبين لي أن اختبار كورونا السوري أغلى من مثيله اللبناني بعشرة أضعاف!

شكراً لجهابذتنا الذين يمارسون (عصر الشباب)… حرفياً!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن