كثرت التأويلات والنظريات حول كورونا الفيروس والمرض، والتأويلات التي خرجت عن عامة الناس لدينا تفوق عشرات المرات ما صدر عن العلماء والأطباء! واكتشف كثير منا جوهره بطريقة عجزت عنها المخابر العلمية الكبرى التي صنّعته حسب رأي كثيرين، والتي تعمل على مواجهته ودوائه واللقاح على رأي كثيرين! وفي الحالتين نحن نجلس بعيداً عن الأمر، ننفعل بما يجري، ونحلف أيماناً مغلظة بألا نتجاوب مع الأدوية والتلقيح فهما مؤامرة تستهدفنا، ثم ما نلبث أن نهرع إلى اللقاح بكل أريحية، ونحن نمارس اللباقة والأودمة والشكر لمن قام بتلقيحنا!!
إن مجمل ما دار ويدور منذ ظهور كورونا يعطينا فكرة عن آلية عملنا، وعن تركيبتنا العقلية التي تعرف كل شيء وهي جاهلة بكل شيء وتعرف العلم والتاريخ والقادم والدين وأساليب تحنيط الفراعنة، نشتم العمل ونرفع أيدينا بالدعاء، لا نتحرك لفعل شيء ودوماً ننتظر من الآخر أن يفعل لنا، نصنف كل شيء، ونحن خارج أي إطار من التصنيف، ننتقد أساليب التعليم ونحن لا نجيده! ننتقد الإعلام ونحن نجهل أولوياته! ننتقد الفكر، ونحن لم نقرأ شيئاً منه، بما في ذلك فكرنا الذي نفاخر به عن جهل مطبق!
السبب بسيط في كل ما يجري وما يحدث، وأستعير من جائحة كورونا وفيروسها المصطلح، فنحن في هذه المكانة بصنع أنفسنا، هناك أناس وصلوا إلى مراحل كبرى من التورم في كل شيء، ووصلوا إلى مرحلة مستعصية على الحل، وهم أشبه ما يكونون بكورونا، فنحن لدينا شخصيات عديدة وكثيرة تتمتع بمواصفات كورونا، نزرعها بأنفسنا، ونعتني بها، ونعلم أنها فتاكة، ولكننا نظنها سهلة، ونحاول قدر الإمكان التعامل معها، وفي الرحلة الشاقة التي تعيشها سورية وعاشتها من قبل يتوالد الفيروس كل يوم، ويصل إلى مراحل صعبة، والبرء منه شبه مستحيل، فقد تجاوز الصعوبة المعهودة ليصل إلى حالة قريبة من الاستحالة في المعالجة، بعد أن صارت فلسفة الأستاذ كورونا هي السائدة والمعدية، فتجد هذا الأستاذ معارضاً وموالياً في الوقت نفسه! تجده ناشطاً منتقداً الحكومة وأداءها بكل عنف وشفافية! ويتلطى وراء الأسماء المهمة والموثوقة! ولا يترك مجالاً للنقد لا يمارسه ويتبعه، ولو تهيأ له وصار في موقع ما، فإنه يتغير بالمطلق، وربما صار أكثر أنانية وعنفية من الذين كان ينتقدهم، وفجأة يصاب بضيق التنفس وبصعوبة الكلام، ويرتد ارتداداً مشيناً عن كل ما كان يقوم بنقده وتسطيره.. ويظهر لك شخّص آخر يختصر الدنيا بنفسه، ولو استطاع لمسح كل شيء، إكراماً لنفسه وآرائه، وضيق على الناس، ودفعهم للتنفس من منخر واحد، ليس بخلاً كما بخيل ابن الرومي، بل لأن هذا الأستاذ يحاول أن يمنع عنهم الهواء، ويصفهم بالطمع، وبأن ما يصلهم يكفي ويزيد، فما كان ينتقده في شهر يراه كافياً لثلاثة أشهر، ويقبع لينظر ويتحدث، وكأنه الرب القادر على كل شيء!
توسعت دائرة الأستاذ كورونا، فالواحد منا لا يتعظ بمن رحل مريضاً أو مقتولاً أو بأجله المحتوم، ويستمر الأستاذ بالصراع على فتات الدنيا كما يصفها، وينسج خيوط التآمر، ليمحو كل من يقف في طريقه، لأنه وحده الفاهم الباقي! يحدثك عن سورية التي تحترق واحترقت، ومن أجل بعض المكاسب ليصبح مسؤولاً أو مديراً يملك الاستعداد لإحراق ما تبقى، فهو وحده الذي يفهم ويقدّر، ويملك القدرة..!
مات الأحبة أمامنا من أهل وإخوة وأصدقاء وأساتذة، وفي الأغلب لم نتمكن من وداعهم وداعاً لائقاً بسبب الحرب حيناً، وبسبب المرض أحياناً، ولكننا نقاتل من أجل أوعية ومصوغات وعقارات تافهة تركها هؤلاء الأهل، ولا ندري أن المرحلة قصيرة، وأن ما نتقاتل عليه اليوم سيقاتل عليه الورثة بعدنا مع فارق بسيط هو أن كمية الحقد ستزيد أكثر، والعداء سيتحكم بين الإخوة، حتى إذا جاء كورونا فلن يجد الواحد منهم من يركض به ليسعفه إلى منفسة يحتاجها، ولو تسامح وأسعفه فإنه بعد شفائه إن شفي فسيصبح أكثر تمسكاً بكل شيء!
أما من قناعة أعطتنا إياها الحرب، وعززتها الجائحة بأن المنجز الثقافي أو التجاري النظيف، أو الصناعي المتقن هو الذي يبقى؟ لماذا لم تستطع السنوات التي تجاوزت العشر أن تقنعنا بأن الحب هو الأبقى وهو العلاج، وليس المال بالمليارات الذي جاء من طرق ملتوية ومن الإتجار بآلام البشر وحياتهم؟
قبل أن نواجه كورونا الجائحة علينا أن نفكر بهذا الكم الكبير من الكورونا الموزع في كل مفصل من مفاصل حياتنا وفي كل موقع، وعلى كل صعيد!
حين نألم للآخر قبل ألمنا نشفى
حين نشعر أننا نغنى بالآخر ومعاً نشفى
وحين نؤمن بأن وطننا بنا في حال العافية نشفى ويصبح جسد الوطن أكثر مناعة ومنعة، ويغدو التلقيح وقاية لا غير وليس جسماً غريباً قد يقتلنا!