قضايا وآراء

التوتر الدولي ونهايات التصعيد المحتومة

| تحسين الحلبي

يرى برايان كلارك وهو أحد كبار المحللين في الشؤون الإستراتيجية الأميركية ويكتب في دوريات لمراكز الأبحاث الأميركية، أن «الأفضل للولايات المتحدة هو التوصل إلى حل وسط مع موسكو في الموضوع الأوكراني بعد أن بلغت درجة التصعيد الروسي نقطة لا تتحمل موسكو العودة عنها من دون تحقيق مطالبها بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي»، بل ربما تقبل موسكو بتأجيل قابل للتمديد لسنوات بامتناع حلف الأطلسي عن الضم أو استكمال الضم كفرصة تتيح للجانبين الروسي والأميركي التقاط الأنفاس وترتيب الحل النهائي لهذا الموضوع وما ولده من صراع اقترب نحو المجابهة العسكرية بين قوتين عظميين.

ويبدو أن ما يمكن استنتاجه من عمليات التفاوض التي جرت بين الجانبين الروسي والأميركي يدعو للاعتقاد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معني بتحقيق مكاسب ملموسة وليس نظرية في ما يرغب بتحقيقه من نتائج، فهو واثق من أن تصعيد مطالبه وتعزيزها باستعدادات عسكرية متعاظمة بل ربما غير مسبوقة في منطقة الصراع في البحر الأسود وحدود روسيا مع أوكرانيا، سيحقق مثل هذه النتيجة لأنه يدرك أن ما يعلنه الأوروبيون عن توافق مع السياسة الأميركية ضد روسيا مجرد رأي لن يطبقوا مستلزماته بمشاركة مباشرة إلى جانب واشنطن في حرب متصاعدة ضد روسيا، حتى لو كان البعض مثل بريطانيا أو غيرها، يراها حرباً لا غنى عنها لإيقاف تزايد النفوذ الروسي في أوروبا والعالم.

يبدو أن الجميع يدرك بشكل موضوعي أن السيناريوهات التي يمكن أن تفضي لها التوترات وتبادل الاتهامات بين مختلف الفرقاء ستظل تتحكم بطبيعتها عوامل تميل فيها أوروبا بشكل خاص إلى كبح أي تصعيد أميركي ضد موسكو، لأن أوروبا هي التي ستدفع ثمنه بعد أن أنشأت في العقدين الماضيين سلسلة اتفاقات اقتصادية وتجارية لا تشعر أنها بغنى عنها، ومن ناحية أخرى لا أحد يتجاهل وجود عامل قوة روسية تخشاها القوة الأميركية بسبب ما تحمله من مفاجآت عند أي انزلاق متسرع نحو صدام مباشر بينها وبين موسكو في البحر الأسود.

يخطئ من يعتقد أن العالم يتجه نحو حرب شبه محتمة بين أكبر قوتين عظميين، أو أن روسيا لن ترد على أي عقوبات اقتصادية وإستراتيجية تمس مصالحها الأمنية والاقتصادية، فالرد الروسي سيشكل حالة ستقسم فيها روسيا العالم بين عدد من الاقتصادات فيصبح الأميركي فيه يزيد من استخدام العقوبات على دول كثيرة، ويتحول الروسي إلى تجميع عدد من اقتصادات العالم إلى جانبه على شكل انفصال متدرج عن هيمنة الاقتصاد الأميركي، وفي هذه الحال لن تترك الصين كأكبر قوة اقتصادية روسيا وحلفاءها وحدهم، على حين الكل يدرك أن أوروبا لا يمكن أن تتجاهل قدرة الاقتصاد الصيني على منافستها في أسواق العالم، ولذلك يحذر الخبراء الاقتصاديون في العالم من لعبة تصعيد العقوبات على روسيا ودفعها إلى الرد بشكل يولد اضطرابات على الاقتصاد العالمي، وهذا ما جعل المحللين المختصين في العالم يستنتجون أن التوتر الحاد بين موسكو وواشنطن لا يمكن أن يولد حرباً عالمية إذا ما اتجه في هذه الأوقات إلى عقوبات اقتصادية على موسكو، ويصفون المرحلة المقبلة في السياسة الدولية بمرحلة حرب باردة متصاعدة بين الجانبين ومفتوحة على محاولات الانفراج على غرار الحرب الباردة التي تولدت في السبعينيات ثم بدأت تولد الاتفاقات في الثمانينيات بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن