قضايا وآراء

استهدافات مشبوهة في توقيتات مريبة

| أحمد ضيف الله

اُستهدفت المستعمرة الأميركية المزروعة وسط المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، المعروفة باسم سفارة، حيث مقار رئاسات الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي والعديد من المؤسسات الحكومية والبعثات الدبلوماسية، في الـ13 من كانون الثاني 2022، بثلاثة صواريخ، سقط صاروخان منها داخل مجمع السفارة الأميركية، و«الآخر على مدرسة قرب السفارة ما أدى إلى إصابة امرأة وطفلة وطفل بجروح». وبعد ساعات قليلة من ذلك هزت تفجيرات متتالية ثلاثة مقار حزبية «سنيّة» و«كردية» في بغداد، أسفرت عن أضرار مادية بسيطة، من دون تسجيل أي خسائر بشرية، حيث استهدف مقرَّان لتحالفي «تقدم» الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي و«عزم» الذي يتزعمه خميس الخنجر، ومقر خال للحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني بـ«قنبلة صوتية»، إضافة إلى تعرض موكب القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم الفيلي، لنيران مسلحين مجهولين، لم تؤد إلى إصابته بأي أذى.

السفارة الأميركية في بغداد، التي أكدت تعرضها «لهجوم شنته مجاميع إرهابية تسعى لتقويض أمن العراق وسيادته وعلاقاته الدولية»، اعتبرت أن «هذه الأنواع من الهجمات المشينة هي اعتداء ليس فقط على المنشآت الدبلوماسية، بل على سيادة العراق نفسه»! كذلك عده رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح، «عملاً إرهابياً إجرامياً وضرباً لمصالح العراق وسمعته الدولية»، بينما قال مقتدى الصدر في تغريدة له: إن «هناك أطرافاً تدعي المقاومة، أصابت المدنيين والأطفال والنساء وهدمت صروح العلم والتربية»، وأنه «لا ينبغي على الشعب أن تنطلي عليه مثل هذه الحركات، فهم يقومون بذلك، لأجل تأخير انسحاب القوات الأميركية من العراق لكي تبقى لهم ذريعة استعمال السلاح ويبقى مصير الشعب بيدهم فلا وجود لهم من دون وجود المحتل».
وبينما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، اعتبر الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، أن «استهداف الخضراء في هذا التوقيت وبالأسلوب القديم نفسه هو محاولة لخلط الأوراق»، مؤكداً «قرار فصائل المقاومة بعدم استهداف السفارة الأميركية حالياً».
وأياً تكن الجهة التي استهدفت السفارة، فإنه من المستغرب أن الذين يرون في استهداف الصواريخ والمسيرات للسفارة الأميركية في بغداد على أنه «عمل إرهابي إجرامي»، يريد «تأخير انسحاب القوات الأميركية من العراق»! لا يرون أن السفارة ليست موقعاً دبلوماسياً عادياً، أو وكراً إرهابياً لإدارة الملفات التخريبية، أو مركز قيادة متقدماً لإدارة العمليات العسكرية الميدانية في الشرق الأوسط، أو مركزاً استخبارياً ضخماً مجهزاً بأحدث أجهزة التشويش والتنصت، لإدارة عمليات التآمر على عموم المنطقة.
يبدو أنهم لا يعرفون أن السفارة، مستعمرة تحوي منشآت سرية تحت الأرض وأنفاق دخول وخروج غير معروفة، وأن مساحتها تفوق مساحة 80 ملعب كرة قدم، يعمل بها 16 ألف موظف مصرح بهم، بحماية أعداد كبيرة وغير معروفة من قوات المارينز الذين يديرون منظومة C-RAM المرعبة التي تطلق 4500 طلقة بالدقيقة الواحدة، التي تصيب المواطنين العراقيين بالرعب والفزع في الأحياء السكنية والشوارع المحيطة بمجمع السفارة مع انطلاق صافرات إنذارها المخيفة، عدا تسبب شظاياها في إلحاق إصابات بالمدنيين، وأضرار جسيمة بسياراتهم وممتلكاتهم، خلال تجارب جهوزيتها الأسبوعية.
الهجمات التي طالت المقار الحزبية بعد ساعات من استهداف السفارة الأميركية، أدانتها واستنكرتها القوى السياسية «الشيعية»، معتبرة أن ذلك «يُنذر بوجود مخططٍ مريبٍ لزعزعة استقرار العراق وتهديد أمنه»، وهي كما يبدو يراد ربطها بجلسة تمرير هيئة رئاسة المجلس النيابي الأخيرة، الذي أظهر تحالفاً غير معلن بين التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالفي «العزم» و«تقدّم»، اللذين استهدفت مقراتهما، للإيحاء بأن القوى السياسية المتضررة من تلك الجلسة تريد تفكيك هذا التحالف بالعنف والتخويف! وهي جاءت بعد تغريدة مقتدى الصدر في الـ12 من كانون الثاني الجاري، قائلاً: «نحن ماضون بتشكيل حكومة أغلبية وطنية»، و«إننا لن نسمح لأحد كائناً من كان أن يهدد شركاءنا أو يهدد السلم الأهلي»، مشدداً على أنه «لا عودة للاقتتال الطائفي أو للعنف، فإن القانون سيكون هو الحاكم».
ما جرى من استهدافات مشبوهة في توقيتات مريبة، هي خطط لإرباك الوضع الأمني في العراق، في محاولة لتهديد سلمه الأهلي، والإيقاع بين القوى السياسية المتناحرة بشأن اختيار الرئاسات الثلاث، والدفع باتجاه اقتتال شيعي – شيعي أو في الحد الأدنى الإبقاء على البيت الشيعي منقسماً بشأن شكل الحكومة «أغلبية أم توافقية»، وعلى اعتبار كل ما يجري هو من تداعيات نتائج الانتخابات النيابية المبكرة لخلط الأوراق.
وكل ذلك من نتاج بركات مخدم العمليات الانتخابات النيابية «السيرفر» الفتنة في الإمارات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن