يرى كثيرون أن الصين بدأت منافسة أميركا في المجالات التكنولوجية وأنها أصبحت متصدرة عالمياً في بعض القطاعات، وهناك من يشكك في ذلك.
أولئك الذين يشككون في تقدم الصين يؤكدون اعتمادها على التقنية الغربية ويشيرون إلى أن بعض الشركات التقنية المحلية لا تزال غير قادرة على منافسة نظيراتها الأميركية عالمياً، لكن المتفائلون يرون أن تلك الشركات الصينية مستمرة في توسعها العالمي السريع وهذا يعكس قدرة الصين الاستثنائية على التعلم وهذا هو سر النجاح الاقتصادي المستمر والصاعد للصين الذي يعكس آفاقا كبيرة من ناحية الابتكار التكنولوجي كأحد مدخلات التنمية الاقتصادية بل ونتاجها.
الصين واجهت تحديات خارجية متزايدة في الأعوام الأخيرة بما في ذلك تشديد القيود على تقاسم التكنولوجيا من قبل الاقتصادات الغربية، قابلها جهود الحكومة للمحافظة على نظام اقتصادي داخلي وزيادة القواعد التنظيمية للشركات التقنية. بعض شركات التصنيع الأجنبية انسحبت من الصين، لكن الاقتصاد لم يتوقف، والدافع المرتبط بريادة الأعمال الذي يحرك تطور الصين لا يزال قوياً، علماً أن من العوامل المساعدة أن الصين لديها سوق داخلية ضخمة تتكون من 1.4 مليار إنسان مرتبطين بأنظمة نقل متطورة وشبكات اتصالات متقدمة، إضافة إلى سلاسل توريد مرنة وفعالة.
الشركات الأجنبية تصارع لمنافسة الشركات الصينية المحلية التي تتمتع بميزة كبيرة بمعرفة أعمق بالسوق واليوم هناك أعداد كبيرة من الشركات الصينية صغيرة ومتوسطة الحجم الناجحة، ويطلق على تلك الشركات اسم «الأبطال غير المرئيين»، وهي تبتكر في مجال تطبيق التقنيات المتقدمة ومستمرة في النمو، والصين إلى جانب كونها قوة اقتصادية وتجارية رائدة، تتحول إلى قوة مالية عالمية، وأصبحت السندات الصينية مدرجة في جميع مؤشرات السندات الرئيسة الثلاثة التي يتتبعها المستثمرون العالميون، وسجل مؤشر عولمة الرنمينبي، الذي يقيس نمو استخدام الرنمينبي في الخارج، مستويات جديدة من الارتفاع العام الماضي.
وفقا لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، اشترى مستثمرون أجانب ما قيمته 75 مليار دولار من سندات الحكومة الصينية عام 2021، بزيادة قدرها 50 في المئة سنوياً ونحو 578 مليار دولار من السندات الصينية عبر قناة روابط سندات الصين، والآن يمتلك مستثمرون أجانب في المجمل نحو 8.6 مليارات دولار من الأسهم والسندات الصينية.
يُظهر مسح المستثمر العام العالمي السنوي، الذي ينشره المنتدى الرسمي للمؤسسات النقدية والمالية، أن 30 في المئة من البنوك المركزية تخطط لزيادة حيازاتها من الرنمينبي في غضون عام إلى عامين نتيجة لهذا، أصبح نصيب الرنمينبي في الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبي يتجه نحو الارتفاع بمتوسط معدل سنوي يقارب نقطة مئوية واحدة على مدار الأعوام الخمسة المقبلة، وتتوقع أبحاث أجراها جولدمان ساكس وسيتي أن الرنمينبي سيكون بين أكبر ثلاث عملات في العالم في غضون عشرة أعوام.
ستساعد عملة البنك المركزي الصيني الرقمية على توسيع استخدام الرنمينبي في تسوية المعاملات عبر الحدود، وتقليل الاعتماد على شبكة سويفت التي تقودها الولايات المتحدة، ما سيساعد الصين على إيجاد سوق ضخمة لتحويل الرنمينبي إلى عملة تدويل، وفقاً لحسابات «فاينانشيال تايمز».
ارتفاع الحيازات الأجنبية من السندات المقومة بالرنمينبي، والحيازات الأجنبية في الأسهم يعكس ارتفاعا يبلغ نحو 30 في المئة عن عام 2020، ورأس المال العالمي يبدو غير مكترث لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي تسير على خطا دونالد ترامب في السعي لفك الارتباط الاقتصادي مع الصين.
الصين تعتمد خطة «نبني للأمام بشكل أفضل» تركز على مجالات الطاقة النظيفة، والبنية التحتية الذكية، والاقتصاد الرقمي، وهذا جزء من جهود الدولة لإنشاء اقتصاد قائم على زيادة الاعتماد على الذات و«الابتكار المحلي»، بهدف زيادة الإنتاجية والأجور في الصناعات عالية النمو.
بالمقابل المشهد الاقتصادي مع بداية عام 2022، يشير لوجود عراقيل مشتركة تواجه الولايات المتحدة والصين وكيانات أخرى، بقائمة متزايدة من التحديات قصيرة وطويلة الأجل.
وتظل كورونا أكثر الشواغل إلحاحاً، فسيتواصل ظهور السلالات المتحورة من كوفيد – 19، ما قد يجبر الحكومات على تجديد الإغلاقات الجزئية أو الكلية.
هناك تحد ثان يكمن في تعطل سلاسل التوريد العالمية الذي تسبب بالتوازي مع التحولات المتعلقة بجانب العرض في أسواق العمل، في فرض ضغوط تضخمية متواصلة، بالإضافة لمشكلة التنظيم السليم للتقنيات والقطاعات الرقمية.
الصين لا تنظر إلى الإستراتيجية الأميركية على أنها مسعى للإعاقة فحسب، بل لعكس مسار التقدم التكنولوجي في الصين، في حين يقدم ما يحدث في الولايات المتحدة من استقطاب حزبي وانقسامات اجتماعية على أنها دليل على نظام سياسي واقتصادي متهالك ومتضضع.
بالمقابل الصين تمثل ثلث نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ودور الصين الكبير في تشكيل دورة الاستثمار العالمية يعني أن أي اقتصاد مفتوح يعتمد على السلع الأساسية أصبح الآن معتمدا على الصين، وهذا صحيح بالنسبة إلى ألمانيا كما البرازيل.
في الواقع، الصين تعمل لتحسين الاعتماد على الذات في مواجهة بيئة خارجية أكثر عدائية وظهور القومية التكنولوجية، لذا تتطلب الإستراتيجية تركيزاً مستمرا للإنفاق الاستثماري على البنى التحتية التكنولوجية.
أيا كانت التحديات التي تواجه الصين، فإنها مستمرة بصعودها الدائم اعتماداً على الذات والابتكار التكنولوجي.