من دفتر الوطن

أمور صغيرة.. لكنها متعبة!

| عصام داري

إذا كان البرد ينشّط العقل ويشعل اﻷفكار، فهو يجمّد اﻷطراف والأصابع فلا تستطيع ترجمة تلك الأفكار، فتذهب هذه بتلك أدراج الرياح- إﻻ إذا توافرت الكهرباء والتدفئة معاً- وهذا أمر نادر الحدوث في ظروفنا الراهنة.

سأقول لكم سراً صغيراً: فمقدمة زاويتي هذه لم تكن كما هي الآن، لأنني بعد أن كتبت ما يقرب من نصف هذه الزاوية انقطع التيار الكهربائي فجأة وفي غير توقيت التقنين، فتبخرت الزاوية والحروف، والأدهى في الأمر أنني نسيت كل الكلام الذي كتبته وصار عليّ الآن اختراع كلام جديد يملأ فراغاً (من دفتر الوطن).

ولمعلوماتكم أكتب هذه الكلمات في واحد من أكثر أيام السنوات العشر الماضية برودة حسب الأرصاد الجوية، والتدفئة المتوافرة عندي فقط التدفئة المركزية في مشروع دمر لكن هذه التدفئة لم تعمل طبعاً بسبب انقطاع التيار الكهربائي، فدخلت إلى بطانية سميكة وتمتعت بقليل من الدفء، وتوقفت عن الكتابة التي تحتاج إلى كهرباء أيضاً، فجهاز اللاب توب خاصتي لا يعمل بالبطارية التي انتقلت إلى رحمة اللـه منذ أكثر من سنتين.

المهم هذا ما استطعت أن أكتبه اليوم وأنا أكتوي بنار البرد! وهل للبرد نيران؟ نعم.. مثله مثل الحر كلاهما يضني الروح والجسد، نجّانا اللـه وإياكم من حر الصيف وقر الشتاء.. وأصلح النفوس التي تبحث عن الفلوس.. وتعرقل وصول الغاز والفيول إلى محطات توليد الكهرباء، وتعلمون أن توليد الكهرباء يحتاج إلى داية شاطرة تتسلح بالفيول المحلي والمستورد، وكأن حياة المواطن رخيصة لتضيع في أسواق النفط والفيول والغاز والربح والخسارة وبالدوﻻر، فهل وصلت الرسالة،. المهم أنني استطعت أن أكتب هذه الكلمات من دون حاجتي للفيول والغاز، وخاصة أن رسالة تكامل التي تبشرني بوصول دوري لاستلام أسطوانة الغاز تحتاج إلى ثلاثة أشهر وبعض الأيام لتصل، وأنا من المنتظرين بعونه تعالى.

بعيداً عن معاناتي الخاصة، وهي للمناسبة معاناة عامة، ألا تلاحظون معي أن الأمور الصغيرة التي صارت حديث الصباح والمساء تعطل حواسنا وتبعدنا عن أي متعة أو لحظة فرح وسعادة؟

ثم، ألا تلاحظون معي أن اللحظات التي تأتي كما تشتهي النفوس قليلة، وقليلة جداً إن لم أقل نادرة، فنحن لا نصنع كل ما نريد بل نحاول فقط ومحاولاتنا في معظمها فاشلة للأسباب نفسها التي مررت على بعضها، ومنها التيار الكهربائي والغاز والفيول والمازوت والبنزين والخبز والسكر والرز والزيت والزيتون والألبان والأجبان والأنس والجان والشجاع والجبان، وهموم الناس والأوطان!

نرسم البرامج ليومنا ولغدنا وللمستقبل لكننا لا نضمن تحقيق المراد فلسنا الوحيدين أصحاب القرار وخاصة أننا نتعامل مع بشر يختلفون عنا ولهم أمزجة مختلفة وأهداف متناقضة كلياً، فأين المفر؟

على الرغم من كل هذه المعاناة والمصاعب والعقبات الكبيرة فإنني أعود وأذكّر بأن اللحظات التي تفرحنا قليلة جداً وعلينا استغلال كل «تكة» منها وليس كل ثانية فقط، فهذه دعوة للفرح والحب والسعادة الغامرة، والتفاؤل الذي سنظل نحن منبعه ومجراه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن