من دفتر الوطن

أين السوري الجميل؟

| عبد الفتاح العوض

لا أدري إن كان الحديث عن أنه لا زيادة في عدد الجرائم في سورية كلاماً دقيقاً أم لا؟ إلا أن الشيء المؤكد أن نوعية الجرائم التي تحدث الآن مختلفة جداً.

أن يقتل أب ابنتيه أو تقتل فتيات أباهن فإن في ذلك أبواب أسئلة ليس من السهل الإجابة عنها.
وسواء زادت الجرائم أو نقصت فالانطباع العام أنها كثرت من حيث العدد وتبدلت من حيث الفداحة والتجرؤ على الجريمة، ولكن وإن صح أنها كثرت بنسبة ما فإن ذلك لا يتنافى مع منطق الأشياء لبلد عاش الحرب لعشر سنوات ويعيش ناسه في أوضاع صعبة.
لن أذهب بعيداً هنا.. فالمسألة التي أود مناقشتها تتعلق بسؤال قديم له علاقة بطبائع البشر.. فهل تظهر نوازع الشرّ عند الناس في ظروف معينة أم تظهر كلما أتيح لها ذلك؟!
هذا النقاش قديم جداً واختلف الناس فيه ومع ذلك لم يصلوا إلى جواب شافٍ ووافٍ!
قسم منهم قال منذ زمن بعيد إن الإنسان بشع وهمجي وفيه نزعة للشر، وآخرون قالوا بل هو لطيف ونقي وميال للخير.
والذين وقفوا في المنتصف تحدثوا على أن الإنسان يخلق كصفحة بيضاء والبيئة التي يعيش فيها تأخذه يميناً أو يساراً أو مرة في هذا الاتجاه ومرة أخرى في اتجاه آخر.
الجملة الشعرية التي ما زلنا نتغنى بها بأن السوري إنسان مميز ولديه إرث من التاريخ وجينات حضارات كانت منارات العالم.
إذاً فما الذي حدث.. وما الذي يحدث الآن؟!
بظني أنه لا إجابة لدى أحد منا تكون واضحة الحدود بين عواطفنا وعقولنا، وهناك فجوة عصية على الفهم خان فيها السوري ذاته. وصفاته وميزاته.. بل خلع شيئاً من جماله.
لا شك أن سنوات الحرب وما فيها وما تبعها تركت تجاعيد عميقة في طبائع السوريين.. وأن ما جرى هو نتاج سيئ جداً لكنه يعتبر مولوداً شرعياً لهذه الحرب.
وجه آخر هو القصة كلها.. السوريون لم يعتادوا على قبول هذه الجرائم و رغم تكرارها لكن علامات الدهشة والإنكار تظهر بارزة المعالم معلنة رفضاً قاطعاً لما يجري.
ثم أيضاً هذه الجرائم من السذاجة أن مجرميها يلقى القبض عليهم بعيد الجريمة مباشرة كما لو أنهم هواة يفعلونها للتجربة!
وفي ضوء التفاعلات حول ما يحدث من جرائم نجد أن الوجه السوري الجميل ما زال حاضراً بقوة، لم يتقبل السلوك الإجرامي ولم يتعامل معه على أنه حالة طبيعية بل يظهر بشكل صارخ أنه غير راض وغير مستعد لتبرير أي نوع من هذه الجرائم.
في كتاب «الأشرار» لجيمس دوز يقول إن المجتمعات القادرة على معالجة نفسها هي تلك التي تعتبر «الشر غريباً مع حساسيتنا اليومية».
والمجتمع السوري يعتبر الشر غريباً وطارئاً وغير قابل للتبرير تحت أي حجة بما فيها الفقر.
مجتمع بهذه الصفات لا تيئس منه إنه يبعث على الفخر والأمل.

أقوال:
– عندما تقول نصف المجتمع سيئ سيسخط الجميع.. بينما لو قلت نصف المجتمع جيد لا يغضب أحد مع أن العبارتين بمعنى واحد.
– أحياناً اللطف مع بعض الناس جريمة ضدَّ النفس.
– هناك جرائم تصبح محترمة بقوة الاستمرار.
– إن القدرة على التمييز بين الخير والشر تكمن في عقل الإنسان، لا في المجتمع.
– لا يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من أشياء، بل بمقدار ما فيه من أفكار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن