قضايا وآراء

بايدن وموروث ترامب

| منذر عيد

لا يختلف اثنان على أن ما يقوم به الأردن من حراك مكوكي دبلوماسي على خط دمشق- واشنطن، يصب أولاً وبشكل أساس في مصلحة المملكة، لكونها البوابة الشمالية لدول الخليج العربي وشرق آسيا مع دول أوروبا عبر سورية، إضافة إلى ما يسببه الاستقرار السياسي والميداني والأمني والاقتصادي في سورية على الداخل الأردني، ومن هنا يمكن تبرير ما قام به ملك الأردن عبد الله الثاني من إحداث خرق اقتصادي في جدار ما يسمى قانون قيصر الجائر والأحادي المفروض على الشعب السوري، خلال لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن في تموز الماضي، عبر نافذة الغاز المصري إلى لبنان، وما تلاه من حراك لوزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في مراكز القرار الأميركي مؤخراً وقوله: يجب علينا أن نفعل ما بوسعنا لحل الأزمة السورية وليس أن نضاعف من نهج قد لا يوصلنا إلى أي نتيجة، ما علينا فعله، بالتعاون مع الولايات المتحدة وشركائنا هو أن نحاول الوصول إلى مسار تجاه حل سياسي، بما يشكل تواصلاً لما بدأ بين عبد الله وبايدن.

في القراءة الأولية والسريعة السطحية، فإن بايدن قرر ما قرره إزاء تعامل الأردن ومصر مع سورية اقتصادياً، كرمى لحلفاء له، ولقطع الطريق على ما قام به خصوم له في لبنان على صعيد تأمين المشتقات النفطية للسوق اللبنانية، وزيادة في الضغط على الخصم اللدود إيران، إلا أن المجتهد في التحليل والباحث فيما تعانيه الإدارة الأميركية في المنطقة من صعوبات وفشل سواء على الصعيد السياسي والعسكري أم الاقتصادي، يجزم أن موافقة بايدن على «أماني الأردن ومشورته» بما يخص ضرورة الانفتاح على سورية، إنما هو نتاج قناعة أميركية أولاً بضرورة استغلال الفرص للتراجع «بكبرياء» عن أخطاء ارتكبتها الإدارة السابقة للرئيس دونالد ترامب، لتجد في المقترح الأردني سلماً للنزول من أعلى الشجرة التي أصعدهم إليها ترامب، ومبرراً لإحداث فجوات في جدار «قيصر»، وثانياً التوطئة لقرار سياسي وعسكري مماثل ربما يكون قربه وبعده مرتبطاً بإيجاد مفتاح ينطبق على «القفل السياسي والعسكري».

قال ستيفن كوك الباحث المتخصص في الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، في مجلة الفورين بوليسي: «فبدلاً من النهج المتشدد تجاه سورية الذي أشار إليه بايدن، فقد خلص على ما يبدو إلى أن خفض التصعيد يخدم بشكل أفضل مجموعة من الأهداف الجيوستراتيجية المرتبطة بالصراع السوري وأوسع نطاقاً من الحرب ، وهي تقوم على الاعتراف الضمني بأن الرئيس بشار الأسد قد انتصر ولا يمكن لأي شخص أن يفعل شيئاً حيال ذلك»، وهذا حرفياً وبالتمام إعراب لما اتخذه بايدن من قرارات مرنة تجاه سورية، عبر بوابة الأردن ولبنان، «إعراب كوك لجملة قرارات بايدن» دعمه وثيقة رسمية تؤكد أن واشنطن بايدن ليست واشنطن ترامب، حين بين وزير الطاقة اللبناني وليد فياض، أن واشنطن سلمت رئاسة الحكومة اللبنانية كتاباً خطياً من وزارة الخزانة الأميركية بمنزلة رسالة طمأنة «إضافية» من السلطات الأميركية، بما يضمن تزويد وعبور الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، على أن تحصل كل من مصر والأردن ولبنان على موافقة «نهائية» أميركية لمباشرة ضخ الغاز.

لم يكن من السهولة الحديث سابقاً عن هزيمة أميركا على أي جبهة تخوضها، إلا أن الحديث اختلف برمته على الجبهة السورية، وفي جميع الخنادق التي فتحتها واشنطن في حربها على سورية «خنادق سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية»، فهزيمة الإرهاب على يد الجيش العربي السوري والحلفاء، فرض مفاعيله كأمر واقع في الميدان، وأسقط سياسات واشنطن «كل شيء أو لا شيء»، حيث باتت من الماضي وتحولت العقوبات الاقتصادية على الشعب السوري، إلى موروث شكل عبئاً على الإدارة الأميركية الحالية، وتحولت إلى خطط عبثية، يسعى بايدن على التخلص منها ومن جميع موروث ترامب الذي قيد الإدارة الحالية وحدد لها خطوطاً، بعدما حاولت رسم خطوط للحكومة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن